منذ يومين وانا في تونس لحضور مؤتمر عن تعزيز التسامح ومكافحة الكراهية الدينية، تنظمه الامم المتحدة لمنطقة الشرق الاوسط، وها نحن نستمع لاناس جاؤوا من معظم بلدان العرب، يحملون حكايات متشابهة حتى في البلدان التي تتمسك باستقرارها بصعوبة وتتقي حتى الان شر الاحتراب والدم.
التقارير الاممية التي ناقشنا جوانب منها تفزعنا بحقيقة ان الكراهية والانقسام الديني والطائفي، زادت حول العالم بنسبة اربعين في المائة خلال اخر سنتين، لكنه امر يفزعنا اكثر حين يخبرنا بان الكراهية زادت بنسبة ثمانين في المائة في منطقة الشرق الاوسط، اي بضعف المستوى العالمي. كما يذكر التقرير ان الصحفيين ورجال الدين يرتكبون ٧٠ في المائة من التحريض على الكراهية في منطقتنا!
وقد استعرض الباحثون صناعة الكراهية الدينية والطائفية والعرقية من اميركا اللاتينية الى افريقيا واسيا، وبدا واضحا تشابه الحكايات وان اخطر انواع الشر تلك التي تصدر عن الناس الطيبين!
فنقص الخبرة السياسية لدى شعوبنا يورطها في انتاج خطاب الكراهية، حيث جمهور واسع ينتج الكراهية وينتج العنف الخطابي معتقدا انه يخوض"حربا مشروعة"للدفاع عن الوطن والامة والثورة والمبادئ.
المؤتمر يناقش مفارقة، فهو يريد ان ينمي حرية التعبير ولكن يريد ان يعمل ايضا على تنبيه الناس الى ان استغلال حرية التعبير لصناعة خطاب تحريضي هو خيانة لمعايير المجتمع الحديث نفسه. ولذلك يسأل: كيف ننبه الناس الى مسؤوليتهم تغدو اكثر جسامة لا تجاه الاخر المختلف، بل تجاه قضاياهم ومظلوميتهم انفسهم. فالمظلومية تستحق طرقا متحضرة نتدرب عليها لعرضها بشكل صحيح ونسج المطالب الهادفة لتخفيف الظلم، وهناك طريق طويل حتى يتعلم الجمهور ان يكون منصفا لنفسه ولقضيته، وان لا يضيع حقوقه عبر عرض قضيته بشكل عنيف وانتقامي يتورط في كل اشكال صناعة الكراهية للاخر.
المشكلة التي تحدث عنها المشاركون هي ان النخب التي يفترض ان تربي الجمهور على تطوير خبرته السياسية وتجنب افخاخ الطائفية والتحريض، تعمل على استغلال نقص الخبرة لتوريط الناس بالانقسامات هذه، ولذلك سنظل نحتاج الى اجراءات تقيد عمل النخبة لتخفف من تعرض الجمهور الى الاستغلال. وهي اجراءات تطالنا نحن منتجو الرأي العام (الصحفيين، والمعلقين والكتاب)، ورجال الدين وفضائياتهم المتكاثرة، ورجال السياسة ومنابرهم المتزايدة.
ان وقف تعرض الجمهور للاستغلال هو اول خطوة في اطار تخفيف خطاب الكراهية، وتنضيج حرية التعبير لتحويلها الى اداء مسؤول.
ان تجربة الغرب حاضرة امامنا، ولديهم لائحة بالعبارات الممنوعة ذات الدلالة العنصرية مثلا، بينما حتى الان لا نمتلك لائحة واضحة يجري فهمها والتقيد بها، للتعبيرات المثيرة للكراهية الدينية والطائفية.
المؤتمر ناقش آلية لتجريم التعميمات، التي تأخذ اتهاما وتجعله يشمل طائفة كاملة، كما ناقش حقيقة ان المظلومين يتناسون دائما دور الظالمين الموجودين في فريقهم. فالشيعي كثيرا ما ينسى دور الشيعة الذين يمارسون الجريمة بحق المجموعات الاخرى، والسني كذلك في غالب الاوقات. وحسب التجربة فان ايضاح الخطأ بشكل متوازن سيساعد كثيرا في اقناع الناس بان في وسعهم عرض قضاياهم بطريقة متحضرة ومتوازنة دون ان يضطروا للانخراط في موجة كراهية طائفية او قومية.
ان بامكاننا عبر تطوير الخبرة السياسية والقانونية للجمهور، مساعدته على فهم اعمق لمحنته وللحلول التي هو بحاجة اليها وللمطالب التي يحسن به ان يطرحها ويناضل من اجلها. والمطلوب اقناع الجمهور الذي هو ضحية انتقام بدائي، بأن الحل ليس في انتاج انتقام بدائي مضاد، بل في الانتقال الى مستوى متحضر قانونيا وثقافيا لعبور شريعة الغاب الى المجتمع المتعقل والمتوازن والحديث.
والمشكلة ان الجمهور كثيرا ما يعتقد ان نصائح كهذه هي اسلوب مثالي حالم صعب التحقيق يستحق ان نسخر منه، بينما الاسلوب الواقعي هو ابادة القبيلة الاخرى الشريرة، والخلاص منها نهائيا ومعاقبتها لتكون عبرة.
كل القضية هي: كيف نقنع الجمهور بان تصوره لامكانية ابادة الاخر هو مطلب مثالي حالم وغير قابل للتحقق، وانه لم يعد في وسع قبيلة ان تبيد قبيلة اخرى في زمن العولمة، وان الصدامات والاندفاعات المنفعلة لم تعد امرا يمكن تطويقه بل هي تشعل حروبا طويلة مكلفة، وان علينا تعلم الاساليب العادلة التي تتطلب حكمة وصبرا لكنها ستبني الاستقرار والسلام.
الاكثر كراهية في العالم
[post-views]
نشر في: 18 أكتوبر, 2014: 09:01 م