يبدو أن الحدود اللبنانية السورية ستشهد شتاءً ساخناً، مع استعداد الدواعش ومن معهم لمغادرة مواقعهم المعزولة إلى مناطق مأهولة، يتصادف أن معظم سكانها من المسيحيين، ما دفع واشنطن إلى تسريع عملية التسليح الحديث المكثف للجيش اللبناني، بعد إحباطه عدة محاولات قام بها الدواعش لدخول عرسال بحثا عن التموين، وفيما تتزايد المخاوف المشروعة من شمول التهديد الإرهابي المنطقة الحدودية بالكامل، تعاظمت المخاوف من أن تكون عرسال هدف هجوم جديد يخترق خطوط الجيش اللبناني حولها، وصولًا إلى مدينة طرابلس، على أمل إيجاد بيئات حاضنة تؤويهم.
الخوف الأكبر أن يستهدف الدواعش مسيحيي المنطقة فيشتعل لبنان، ولذلك راجت سوق السلاح فجأة، وهبط سعره ربما لتوفيره بين أيدي المواطنين، وتشترك مع المواطنين قوى لم تكن يوما في حساب الدفاع عن المسيحيين، بقدر ما هي محسوبة على دمشق، وربما هي تقوم بهذه المهمة نتيجة حسابات مع النظام السوري، في دليل على تداخل الساحات، حيث بات السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، أحد أبرز أدوات الدفاع عن قرى شرق زحلة، وحيث يتمركز مقاتلو أحمد جبريل عند الخط الحدودي بين لبنان وسوريا، باعتبار أن العدو مشترك، وأن القتال إلى جانب الجيش اللبناني ومقاتلي حزب الله، يخدم الأهداف الاستراتيجية للجبهة والنظام السوري في آن معاً.
بدلت داعش التحالفات، فأعداء الأمس من الفلسطينيين والمسيحيين يقفون اليوم في نفس الخندق، والجميع اليوم يفكر ويخطط ويعمل لمواجهة خطر تمدد الإرهاب المتستر بالإسلام، واليوم يأخذ سلاح "المقاومة الفلسطينية" دوره في حماية القرى المسيحية وطريق بيروت دمشق، من اختراقات المهووسين بالذبح وتهجير المسيحيين، جنباً إلى جنب مع الجيشين اللبناني والسوري وحزب الله، وفي هذا الساحة قد يسيل هنا دمٌ اللبنانيين والفلسطينيين، في مواجهة عدو واحد، يبحث اليوم في المناطق المعزولة والموحشة بين لبنان وسوريا عن اختراقات تمنح مقاتليه الفرصة للعيش، ذلك أن تمضية الشتاء في هذه المناطق الشديدة البرودة يعني الانتحار، ما يعني البحث عن حلول لهذه المعضلة، وأسهلها عندهم التمدد إلى عمق البقاع اللبناني، وتأمين ملاذ آمن يمتد من عرسال والقلمون، إلى الزبداني.
ليس مُستغرباً قيام الطيران الحربي السوري بشن غارات على تجمعات المسلحين داخل حدود لبنان، لكن السؤال اليوم يتعلق بموقف التحالف الدولي، فيما لو اندفعت قوات داعش والنصرة ومن معهم داخل الأراضي اللبنانية، وهل سيقوم طيران التحالف باستهدافهم في بيئة جغرافية لا تساعد على ذلك، لكونها مكتظة بالسكان، ولأن الدواعش يرغبون بالتغلغل في المناطق المأهولة، بحثاً عن بيئة حاضنة يُخشى أنها متوفرة في بعض مناطق شمال لبنان، وهل تقبل القوى المناهضة لداعش، وأبرزها وأقواها حزب الله مثل هذا التدخل في الأجواء اللبنانية، وقد رفض هذا التدخل في سوريا والعراق، بينما نفترض أن الجيش اللبناني سيرحب به وكذلك القوى المسيحية.
قلنا إنه يبدو أن الشتاء اللبناني سيكون ساخناً على غير عادته، وهو بلد يعيش منذ خمسة شهور بدون رئيس، وبرلمانه على وشك تجاوز فترته القانونية، بسبب المخاوف من تداعيات إجراء الانتخابات في هذه الأجواء المشحونة، وحكومته مُكبّلة اليدين ويصح اعتبارها حكومة تصريف أعمال، وتتوزع ولاءات سياسييه بين عواصم الإقليم، والفتنة الطائفية نار تحت الرماد، وكل هذا يعتبر تربة خصبة، تزرع فيها داعش والذين معها شجرة تثمر ناراً تحرق الأخضر واليابس، دون أن يتمكن شتاء لبنان الماطر على إطفائها.
لبنان وشتاء ساخن منتظر
[post-views]
نشر في: 18 أكتوبر, 2014: 09:01 م