جميل الجبوريوالحياة تجري لمستقر لها يبرز في مسيرتها الواضحة رجال افذاذ يتركون بصماتهم في الميدان وخطواتهم على الطريق وبشكل يدل ويؤشر ويقول. وهكذا يبقى من نفقتدهم من اولئك الصفوة في ذاكرة الاجيال حيث يعسر من بعد رحيلهم النسيان وتظل شخوصهم ماثلة في مسيرة الحياة تمنحها دفقا وفكرا ومثلا عليا.
واحسب ان الاستاذ الدكتور فيصل السامر من بين اولئك المتفردين، فقد رحل وترك اثار خطاه على الطريق، اصالة في الفكر وغزارة في المعرفة في اهاب رجل عف اللسان كريم اليد طيب القلب نبيل الخلق، يؤمن الى حد العبادة بالصدق والتسامح والكرامة والتضحية في سبيل المثل الخيرة والنبيلة. ولعلّي لا اذهب بعيدا اذا ما قلت ان الدكتور السامر كان من الاساتذة البناة، فكم من حملة الشهادات الرفيعة، من اين جاءت، تسنموا مناصب التدريس والاستذة ومرّروا السنوات الطوال يقدمون لطلابهم ماقالته الكتب المقررة دونما رأي يرتأونه ولافكرة تعن لهم ولاتعقيب ولاتعليق او حتى ملاحظة، لذلك لم يتركوا بعدهم اثرا في الدرب ولاشاخصا في المسيرة. والقلة من الصفوة هم اولئك الذين (قالوا لنا شيئا ومروا من هنا) وعندي ان الاستاذ السامر بينهم في المقدمة عبر المرحلة الزمنية التي عاشها وودعها مبكرا مأسوفا عليه بصدق وبمرارة. ولن انسى ما حييت ذلك الرجل الذي جسد بجدارة شخصية العالم المفكر والانسان الملتزم والاستاذ الواعي والمواطن النقي وحامل رسالة العلم الامين. ولئن كانت خسارتنا للرجال الصفوة من اولي العلم والمعرفة، وقد افتقدناهم تباعا بأمر واحد احد، بالغة وجسيمة، فهي في رحيل السامر مضاعفة، ذلك لانه انسان عرف طريقه وسلك دربه بأمانة، واخلص لشرف العلم واحترم الاصول ورعى الفروع، وترك بعد رحيله المبكر صفوة خيرة تؤمن – كما آمن- بالصدق والنبل والوفاء، كما تؤمن بالعلم والمعرفة والنقاء. وتعود بين الذكريات الى سنين بعيدة خلت، واسترجع من الماضي ما لا ينسى. كان ذلك في بداية خريف عام 1947م على وجه التحديد، عندما دخل صفنا المدرسي في دار المعلمين بالاعظمية، شاب اسمر انيق على ملامحه من الجد والوقار الشيء الكثير. وسرعان ما لفت انتباهنا، واثار اعجابنا، ونال احترامنا وتقديرنا وامتلك الافئدة، فلقد اتفقنا نحن الطلاب جميعنا على فضل الاستاذ فيصل السامر وسعة معرفته ودماثة خلقه ورصانته وتواضعه وطيب شمائله. كان يدرسنا مادة التاريخ، وكان شعاره المرفوع هو ان التاريخ اذ يدرس فانما لنستمد منه العبرة – بكسر العين- لا لنسكب عليه العبرة – بفتحها. وعلى هذا الهدي علمنا التاريخ، وزاد بأن فتح امامنا – نحن طلابه – افاقا رحبة في المعرفة والحياة وبذل جهدا مخلصا لكي يكون من كل منا رجلا يعرف متى يقول (لا) او (نعم) من منطلق ايمان صادق بالوطن وبعزة النفس وكرامتها. ولادته وبعد، وفي مجال تسجيل السيرة اذكر ان الدكتور (فيصل جريء السامر) من مواليد مدينة البصرة عام 1925م، وقد درس فيها المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ثم انتسب الى (كلية الملك فيصل) في الاعظمية ببغداد، تلك التي اسست انذاك كمدرسة ثانوية تستقبل الطلاب المتفوقين من جميع انحاء العراق، وقد قصد بعد تخرجه فيها مصر لينال من جامعة فؤاد الاول – جامعة القاهرة – شهادة الليسانس ثم الماجستير واخيرا الدكتوراه عام 1953 بعلم التاريخ. وقد درّس مادة التاريخ الاسلامي في دار المعلمين الابتدائية بالعاصمة وفي ثانوية البصرة قبل حصوله على الدكتوراه وبعد ان نالها عين مدرسا للتاريخ في دار المعلمين العالية ببغداد ولكنه فصل منها بعد عام واحد مع من فصل من الخدمة الرسمية من الاساتذة والمدرسين والمعلمين والطلبة والموظفين بسبب مواقفهم المناوئة- يومذاك- لحلف بغداد والنظام الملكي الحاكم، وبعد ان انهى دورة ضباط الاحتياط العاشرة التي خصصت للمفصولين عام 1955م ذهب الى الكويت للتدريس في معاهدها العالية، ولكنه عاد الى الوطن بعد قيام ثورة الرابع شعر من تموز عام 1958م ليسهم في الحياة الثقافية والسياسية بشكل فعال وليشغل مناصب عديدة من بينها مدير التعليم العام في وزارة التربية ورئاسة اول نقابة للمعلمين في العراق حيث قام بدور اساسي في تأسيسها، ثم، وزيرا للارشاد، وهو الذي اسس وكالة الانباء العراقية وبدأ اولى محاولات النشر الثقافي على نفقة الدولة، ثم ترك الخدمة الحكومية ليعمل في معاهد البحث العلمي في براغ بتشيكوسلوفاكيا- السابقة- بعد ان امضى فترة سفيرا للعراق في اندونيسيا. وبعد عام 1968م عاد الى الوطن ثانية وعين استاذا في كلية التربية بجامعة بغداد وحين دمجت كلية التربية بكلية الاداب شغل منصب استاذ التاريخ فيها، ثم تولى رئاسة قسم التاريخ منتخبا من قبل زملائه الاساتذة ثم ليعمل استاذا مشرفا على رسائل الدكتوراه فمتفرغا للبحث العلمي، حتى حم القضاء، فوافاه الاجل صباح يوم (14/12/1982) بعد ان خلف ثروة (علمية ضخمة) من الكتب والدراسات والمحاضرات والاوراق العلمية، التي تبرهن على طول باعه وسعة معرفته وامكانياته المتميزة في البحث والتقصي والخلق والابداع. آثاره العلمية والتاريخية وقائمة جهوده العلمية ونتاجاته التاريخية والادبية والثقافية ومترجماته عن اللغة الا
فيصل السامر العالم والانسان
نشر في: 9 ديسمبر, 2009: 04:36 م