TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بمناسبة مهرجان المربد

بمناسبة مهرجان المربد

نشر في: 18 أكتوبر, 2014: 09:01 م

الثقافة خبزٌ، لا بد من رعايته ودعمه، لكن هذا لا يعني تسييسه، وعلى الدولة أن تؤمنها مثلما تؤمن لمواطنيها الرغيف والفاكهة والخضار، وهذا لا يعني أن يكون المثقف عربة لنقل بضائع الحكومة. الثقافة مشروع كبير يعمل على تامين حياة المجتمعات وديمومتها وحفظها من الكوارث، والثقافة وعاء لمحتوى كبير لن تشكل المهرجانات والمعارض والمناسبات الوطنية وغيرها سوى مفصل صغير داخله.
   جهود حثيثة يبذلها القائمون على مهرجان المربد الشعري المزمع إقامته في 22 تشرين الأول الجاري، من أجل إنجاحه، حتى ليبدو الأمر هذا من أعمال  المساهمة الجادة من الثقافة في ترميم ما يتصدع في أرواحنا، وتكاد أفعال الثقافة مجتمعة ان تكون الأصدق دائما في الترميم ذاك، ويتضح أن الأفعال هذه، والتي تبدأ من الكرنفال التقليدي في جُمعات المتنبي ولا تنتهي بالمهرجانات التي تقيمها بغداد ووزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية الأخرى في المحافظات تنسج صورة اخرى عن عراق جديد لم تتضح هويته بعد، وما لمسناه من موقف الشباب الصادق والمعبر عن روح الوطنية في بغداد خاصة، الشباب الصحفيون والمثقفون الذين تصدوا للحملة الدعائية الداعشية التي زعمت فيها إن بغداد في خطر، او هي قاب قوسين او أدنى من السقوط أمر يثلج الصدر ويبرّد القلب.
  ولكي نسهم في رسم خريطة ثقافتنا وما نريد منها لحياتنا ومستقبلنا يتوجب علينا نحن منتجو الثقافة أن نجعل من الثقافة ممارسة يومية او سلوكا اجتماعيا لا مقعداً متقدما في قاعة لمهرجان يقرأ فيها الشعراء قصائدهم ثم يصفق المسؤولون له وينتهي الأمر ببيان تقليدي اسمه البيان الختامي وجملة التوصيات التي لم يؤخذ ببعض منها يوما منذ ربع قرن من الزمان.
  ما نشهده اليوم في واقع ثقافتنا لا يطمئن ولا يدعو للأمل، أسمع من أصدقاء كانوا قيمين على بعض المهرجانات أن اكثر من شاعر هدد أعضاء في لجنة مهرجان ما بالضرب أو النيل منهم إن لم يوافقوا على صعوده المنصة وقراءة قصيدته، وآخرون اكتفوا بالشتم أو التظلم لأنهم لم يشركوا في المهرجان، ومثلهم من امتنع عن دخول قاعة الشعر لأنه يعتقد بان مكانته شاعرا اكبر من المهرجان كله وهكذا.
  ولعل وقوف أعضاء في اللجان هذه على أبواب المسؤولين الكبار في الدولة بغية الدعم المالي وتوسلهم بهذا وذاك من اجل تحمل تكلفة مفصل ما من طعام ومنام وتنقلات أمر يدعو للخيبة، حتى ليبدو تحشيداً أو عملا من أعمال النخوة او التسخير أو ما شابه ذلك، وقد فوجئت في اتصال أخير مع رئيس اتحاد أدباء البصرة بقوله انه لا يستطيع التكلم معي الآن لأنه في مكتب احد كبار المسؤولين في المحافظة، وحين اكمل زيارته أبلغ بأن الجهة الرسمية هذه تنصلت عن دعهما الذي وعدت به، وهي غير ملزمة نفسها الآن. وقد سمعت نبرة الحيرة تغرغر في حنجرته.
  وحين جلست في مقهى الأدباء بالعشار ذات يوم تناهى إلى سمعي مع أصدقاء كثر بان احد اعضاء مجلس إدارة الاتحاد مُنع من الدخول والمشاركة في أعمال الثقافة والمهرجان بقرار عشائري، نتيجة خلاف بالألسن نشب بينه وبين زميل له، ذلك لأن شيخ عشيرة غريمه في الكعدة( الفَصْل) اشترط عليه ذلك. انصت لوجيب روحي فأسمع الرصافي وهو يتصدى للزهاوي في كثير من قصائده، ومن قبله انصت لصيحات جرير وهي تصل سمع الفرزدق، وكذلك أقف منصتا للعظيم ت.س إليوت وهو يشتكي من روائي او شاعر ناكده، ومثل ذلك أجد أن سكوت فيتز جيرالد مات وفي نفسه شيء من همنغواي، ومثل هذه وتلك أجد أن الخريطة تتسع وتطول لكني لم أعثر على شرط جزائي عشائري يمنع هذا من ممارسة فعله الثقافي. ولأن الغصة اكبر من الشدق وجدتني أصرخ: عن أي ثقافة نتحدث ؟
  ذات يوم قلت لمسؤول كبير في الحكومة المحلية: هل يمكنك أن تجلس في مهرجان للشعر والرقص والغناء والموسيقى في ساحة عامة، تعلوه يافطة عريضة مكتوب عليها( برعاية السيد ..... وذكرت اسمه وصفته الرسمية، يقيم النادي الثقافي الـ.... حفلا موسيقيا يحييه نخبة من فنانات وفناني البلاد والدعوة عامة للجميع. فجنَّ جنونه، قائلا : هذا مستحيل، وغير ممكن. فقلت له إذن اقرأ على ثقافتنا السلام . أكتب هذه وأقول كيف تكتب هذا  يا طالب وانت بلا عشيرة؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابو اثير

    عشيرتك يا طالب هي العراق والعراقيين وقلمك مدعاة أفتخار لكل قاريء وحامل قلم جريء شريف ... ويا أخي مثلما أكتوينا بسياسي الصدفة الطارئين فلا بد من وجود مثقفين وفنانين وأدباء وكتاب طارئين نمو في بيئة فاسدة منحطة ساعدتهم على رفع رؤوسهم وأسمائهم لأنها بيئة ملو

  2. محمد توفيق

    العيب أكبر العيب ألا تُبنى في البصرة، صاحبة الضرع الأكبرالذي يهطل المليارات مدينة، أو مجمع للثقافة يحتضن الفعاليات والمهرجانات الثقافية والفنية، مثلما بنوا المدينة الرياضية. ماذا ينقصنا ؟ الأرادة أم المال؟ لا هذا ولا ذك.. كلا، إنه العداء التاريخي للثقافة

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram