TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بورتريت فرجينيا وولف

بورتريت فرجينيا وولف

نشر في: 19 أكتوبر, 2014: 09:01 م

استعادَ الصيفُ انتسابه لطبيعته، فارتفعتْ حرارةُ المناخ الانكليزي إلى حدّ معقول يستحق فيه أن يُسمى صيفاً. المرة الأولى التي أخرج فيها صباحاً بملابس قطنية باتجاه المتحف الوطني للبورتريت، ففيه معرض عن حياة الروائية فرجينيا وولف عبر فن البورتريت، لوحةً وفوتوغرافا، وعبر أوراق يومياتها ورسائلها. وفرجينيا وولف، التي تثقلُ حركةُ قراءتي لنثرها وتتباطأ كلما سعيت إلى ذلك، كاتبةٌ مفضلة لهذا السبب. لأن الثقل والتباطؤ في نثرها هما وليدان طبيعيان للعمق، لا للالتباس.
الطريف في هذا المعرض أن فرجينيا وولف كانت في حياتها بالغة الضيق بجدران متحف البورتريت الوطني هذا المزدحمة بصور الرجال فقط، وكانت ترفض الجلوس لرسام البورتريت ظناً يقينياً منها بأن صورتها كامرأة ستوضع منسيةً في أحد الأدراج. حدث هذا الإحساس لديها أول مرة حين زارت المتحف بصحبة والدها يوم كانت شابة، وبقي حتى مرحلة شهرتها. كانت لا ترغب في الجلوس أمام عدسة الكاميرا، أو عين الرسام، ولكنها فعلت ذلك في مناسبات عدة.
كانت المصورة جيزيل فروند، في باريس، معنية بالتقاط صور الكتاب، ولقد أخذت واحدة للروائي الأيرلندي جيمس جويس. ولعل جويس هو الذي نصح المصورة بأن تذهب إلى لندن، لأن الكتّاب هناك لو عرفوا بأن جيمس جويس ارتضى الجلوس أمامها، وارتاح للنتيجة، فإنهم سيستجيبون لها بيسر. ولقد نجحت في تصوير أليوت، وبرنارد شو، وساكفيل ويست، وهيربرت ريد وآخرين كثُر. فيرجينيا وولف، بالرغم من أنها لم تستجب أول الأمر، إلا أنها قبلت أن تأخذ عدداً من الصور المؤثرة.
في المعرض الجديد أكثر من 140 مادة، بين لوحة بورتريت، فوتوغراف بورتريت، أوراق من يومياتها الشهيرة ورسائلها. إلى جانب مجموعة صور لمعارفها من العائلة ومن الأصدقاء. من بين الرسائل اثنتان تعرض على الجمهور لأول مرة، تعلن فيهما قرارها بالانتحار، إلى جانب عكازها وقد عثر عليه زوجها ليونارد على ضفة النهر الذي انتحرت غرقاً فيه عام 1941. في الرسالة الأولى تكتب لأختها فينيسا بيل :" أشعر بأني قد ذهبت مدىً بعيداً لا عودة فيه هذه المرة. إني على يقين الآن بأني سأُجن من جديد. الحال تماماً كما حدث في المرة الأولى. فأنا أسمع على الدوام أصواتاً وأعرف بأنني لن أفلت منها الآن. "
يطلع المشاهد على أوجه عدة من شخصية فرجينيا: المنتصرة للأنثى، المفتونة بلندن، الفطِنة بحرارة لمسألة الحداثة، والمريضة عقلياً منذ عرفت بوادر المرض في عمر 13.
ولدت فرجينيا وولف عام 1882، وسط عائلة أرستقراطية تُعنى بالفكر والأدب والنشر. في أيام الشباب تعرضت الى أكثر من صدمة نفسية. جُن فيها اثنان من أفراد العائلة، وتوفيت والدتها، وأبوها على الأثر ما أدى الى انهيارها العصبي، الذي صارت فيه تتوهم أنها تسمع طيوراً تتحدث بيونانية كلاسيكية، أو أنها ترى الملك إدورد السابع في الحديقة يردد على مسمعها شتائم بذيئة.
تزوجت عام 1912 من ليونارد وولف الذي أسس معها دار Hogarth، التي نشرت أعمال فرجينيا المبكرة، الى جانب أعمال تي أس أليوت. ولقد كرس ليونارد حياته لرعايتها كإنسان وككاتبة. نشر بعد موتها عدداً كبيراً من مقالاتها ورسائلها ويومياتها. بدأت رواياتها الأنضج بعد 1922، مع رواية "غرفة يعقوب"، ثم "الأمواج"، و"مسز دالوي". وهنا انتقلت الروائية من الأسلوب الشعري الغنائي الى الأسلوب الذي صار يسمى بأسلوب "تيار الوعي".
في منطقة رودميل، وبفعل إحساسها بفشلها بعد إنجاز روايتها "بين الفصول"، وهو إحساس غريب عادة ما كان يحاصرها بعد إنجاز كل رواية، وخشية من نوبات جنون مهددة، في مناخ الحرب الثانية الكابي، ملأت جيوبها بالحجارة، ثم ألقت بنفسها في نهر أويوسي عام 1941. بعد شهر من غيابها الغامض عُثر على جثمانها من قبل صبي كان يرمي الحجارة عليه ظناً منه أنه قطعة من الخشب عائمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: غزوة علي الطالقاني

العمود الثامن: فتوى المشهداني

العمود الثامن: تجربة فشل!!

الضربات الأميركية على الحوثيين تقرب الحرب مع إيران

إنعكاس العقوبات الأمريكية على إيران وإنتاج الكهرباء في العراق

العمود الثامن: العدالة على الطريقة العراقية

 علي حسين منذ أن اعترف المرحوم أفلاطون بأنّ العدالة هي حكم الأكثر كفاءة، والناس يبحثون عن أصحاب الكفاءات الذين يملأون الأرض منجزاً وصدقاً، وليس عن أصحاب الخطب والمواعظ والشعارات. وكما أخبرنا صاحب الجمهورية...
علي حسين

السياسة في العراق بوصفها مهاترات وثرثرة

إياد العنبر ربما يحمل عنوان المقال نبرة تهكم على التعريف العام للسياسة بأنها "فن الممكن"، وربما أيضا يحاكي عنوان المرجع الأهم في علم السياسة لعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر في كتابه "العلم والسياسة بوصفهما...
اياد العنبر

أصيلة مُحمّد بن عيسى: العُمران بالثَّقافة

رشيد الخيُّون رحل المثقف والدُّبلوماسي والوزير محمّد بن عيسى(1937-2025)، تاركاً إرثاً ثقافياً نوعياً، يتمثل في «موسم أصيلة». كانت تجربةً ثريةً، تتمثل في عمران المدن بالثّقافة، ودرساً مهماً عطفت به السِّياسة لصالح الثَّقافة وليس العكس....
رشيد الخيون

طائرات طائرات طائرات

غسان شربل كان الليل لطيفاً في بيروت. والمقاهي ساهرة كالقناديل قبالة البحر. ومن عادة هذه المدينة أن تغطي جروحَها وخيباتها. وأن تتحدّى موتها والركام. وأن تقنع الزائر أن عرساً يأتي على رغم مقتل كثير...
غسان شربل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram