د. جواد بشارة - باريس jawadbashara@yahoo.fr في البدايات كان غودار يجهد كثيراً للحصول على ميزانية الفيلم الذي يرغب في تصويره، وكانت ميزانيات الأفلام الخمسة الروائية الطويلة الأولى لغودار متواضعة بل وصغيرة جداً. ولكن غودار، وكباقي زملائه نقاد مجلة كراسات السينما الذين تحولوا إلى الإخراج،
كان يحلم بأن يخرج فيلماً ذا ميزانية كبيرة وداخل بلاتو تصوير هوليوودي وديكورات ضخمة. وبعد مرور خمسة عشر عاماً على إخراجه فيلم الاحتقار ذي الميزانية الضخمة، صرح في إحدى ندواته في مونتريال في كندا أن الاحتقار هو فيلم تم صنعه حسب الطلب أي طلب منه إخراجه وكان المشروع مغرياً ويهمه تنفيذه حسب المواصفات المتبعة في مثل هذه الحالات الإنتاجية التقليدية وأضاف أنها المرة الأولى التي ترسخ لديه فيها انطباع بأنه يمكنه أن يصنع فيلماً ضخماً وبميزانية كبيرة ومريحة ولكن في حقيقة الأمر كانت ميزانية الفيلم صغيرة لأن أغلب الأموال ذهبت أجوراً لبريجيت باردو وفريتز لانغ وجاك بلانس والباقي كان مكرساً لعمليات الإنتاج الفعلية ومع ذلك كانت ضعف ما كنت أصرفه أو أنفقه على كل أفلامي الاعتيادية الأخرى حيث كل ما بقي لي لصنع الفيلم هو 200000 دولار وهو مبلغ كبير بالنسبة لي في ذلك الوقت لكنه لم يكن يساوي شيئا بالنسبة لفيلم ذي إنتاج ضخم من الطراز المصنوع في هوليوود عادة. وهو فيلم معد عن رواية منشورة وليس نصاً أكتبه أنا خصيصاً كما هي عادتي وهي رواية أعجبتني وكان لدي عقد مع كارلو بونتي الذي لم يكن راغباً بالعمل معي بصورة مفتوحة وبلا قيود وشروط مسبقة وبحريتي التامة. وعندما ردت بريجيت باردو بالإيجاب على العرض وافق بونتي على الإنتاج لتوفر الضمانات التجارية له وبالنتيجة يمثل هذا الفيلم بالنسبة لي إخفاقاً كبيراً ". نلاحظ أن موقف غودار من الرواية يشوبه بعض التناقض. فقد سبق أن صرح لصحيفة لوموند الفرنسية في 20 ديسمبر 1963 قائلاً:" قرأت الكتاب قبل فترة طويلة وأعجبني الموضوع كثيراً وبما أنني كنت مطالباً بتحقيق فيلم لصالح كارلو بونتي بموجب عقد سابق بيننا اقترحت عليه إعداد رواية الاحتقار للسينما وتنفيذها حرفياً فصلاً بعد فصل دون تدخل أو إضافة أو حذف أو تعديل جوهري فقال لي نعم لكنه سرعان ما تراجع وقال لا خوفاً من المغامرة نظراً لما يمثله إسمي وأسلوبي من مخاطرة تجارية. وعندما اقترحت عليه اختيار كيم نوفاك وفرانك سيناترا رفض بشكل قاطع لأنه كان يفضل زوجته صوفيا لورين ومارسيللو ماستورياني ولم أوافق على اختياره وبقينا متخندقين كل واحد منا وراء قناعته واختياراته ومتشبثين بمواقفنا إلى أن ردت بريجيت باردو بالإيجاب وقالت أنها تحب العمل معي وبفضلها أصبح كل شيء ممكناً وأكثر سهولة وكان الجميع سعداء بهذا الحل بمن فيهم الأمريكيون وبالأخص جو ليفين الذي مول جزءاً من الميزانية والذي تعهد له بونتي بأن الفيلم سيكون تجارياً رغم وجود اسمي المثير للإشكالات. وبفضل هذا الانفتاح صورنا بحرية لمدة ستة أسابيع في إيطاليا".وبعد ذلك صرح غودار لجون أندريه فيسكي أن رواية الاحتقار رواية تبسيطية ساذجة وهي تليق بنوع روايات محطات القطارات للتسلية في الطريق والتي يرميها القارئ في سلة القمامة بمجرد وصوله إلى نهاية رحلته. وهي مليئة بالمشاعر الكلاسيكية المتهالكة والمبتذلة والمتقادمة بالرغم من حداثة الأوضاع والأحداث التي تدور فيها ولكن يبدو أننا مع هذا النوع من الروايات يمكن أن نصور أفلاماً جميلة وخلابة ". وهذا الرأي نشرته مجلة كراسات السينما الفرنسية الرزينة والمتخصصة والمتحيزة لغودار وذلك في عدد 146 الصادر في آب 1963. فنصف ميزانية الفيلم التي تجاوزت 500 مليون فرنك فرنسي ذهبت أجوراً لبريجيت باردو كما صرح شارل بيتش مساعد المخرج الأول لغودار وباقي الممثلين تقاضوا أجورهم أيضاً مما تبقى من النصف الثاني من الميزانية العامة للفيلم. إن مشاهد تصوير فيلم أوديسا في سياق موضوع فيلم الاحتقار ـ أي فيلم داخل الفيلم ـ الذي يخرجه فريتز لانغ يوضح ويقدم فكرة دقيقة لظروف إنتاج وتصوير فيلم الاحتقار ذاته أي أنها مشاهد متواضعة. كان هناك 32 يوم تصوير حقيقي، أي أكثر بقليل من الفترة المتوفرة لغودار في أفلامه السابقة، لكنها قليلة جداً بالنسبة لضوابط ومعايير إنتاج ضخم على الطريقة الهوليوودية في سنوات الستينيات حيث تمتد فترة التصوير من 8 إلى 12 أسبوعاً. وكان لدى غودار نجوم مشهورون يتعامل معهم من بينهم النجمة الفرنسية الأشهر والأغلى والأكثر تغنجاً ودلالاً في ذلك الوقت هي بريجيت باردو. ونجم أمريكي من مستوى حرفي عالي هو جاك بالانس. ويتحدد العدد بخمس شخصيات رئيسية وبعدد محدود من الكومبارس والأدوار الثانوية منها دور غودار نفسه بدور مساعد للمخرج فريتز لانغ داخل الفيلم. ويبدو الفيلم كما لو إنه عبارة عن قصة غرق العالم الغربي، وانغماس الأخلاق ونمط الحياة الغربية في الفراغ النفسي والروحي وقصة الناجين من غرق الحداثة والعصرنة والذين يجدون أنفسهم على غرار أبطال أو شخصيات جول فيرن على شواطىء جزيرة مهجورة وغامضة، وغموضها ناجم عن غياب الغموض أي بروز الحقيقة، حقيقتهم، على حد تعبير غودار نفسه سنة 1963. كل ديكورات الفيلم طبيعية فاستوديوهات سينس
كــــــيـــــف نــــقــــرأ فـــيــلــمــــاً (3)
نشر في: 9 ديسمبر, 2009: 04:45 م