شاكر الانباري لم يعد أكيدا إجراء الانتخابات العراقية في وقتها المحدد، الا وهو الثامن عشر من كانون الثاني عام 2010، وذلك بسبب نقض نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي قانون الانتخابات الذي وافق عليه مجلس النواب ورفعه إلى مجلس الرئاسة. اذ ان المفوضية العليا للانتخابات صرحت ان الوقت لم يعد كافياً لإجراء الانتخابات حتى لو وافق الهاشمي على التعديل الذي أجري للقانون مرة ثانية.
هذا يعني ان الانتخابات ستتأخر شهرا او شهرين، على اقل تقدير، فيما لو سارت الأمور بسياقها الطبيعي. لكن أمور الانتخابات لا تسير بسياقها الطبيعي هذه الأيام. حصة المغتربين في الخارج تحولت الى شد وجذب بين متخاصمين، ودخلت في متاهات وتعديلات، ورغبات جديدة لكتل نيابية وقوى سياسية مؤثرة، ما سيعطل عملية الانتخابية برمتها، او في أبعد الاحتمالات قد يمزق العملية السياسية شر تمزيق. المعروف ان التوازنات السياسية تقف على حد سكين. توازنات طائفية وقومية وحزبية، وأحيانا مناطقية. يمكن لها اذا اختلت ان تدمر العملية السياسية، وتنسف الثوابت الوطنية التي اتفق عليها في الدستور الأخير. الدستور المشكوك بثباته هو الآخر، وولد بعملية قيصرية يعاني آثارها حتى الآن. فالنسبة المقترحة للعراقيين في الخارج من قبل البرلمان كانت خمسة بالمئة، وهي نسبة لا تتلاءم مع العدد الحقيقي للمغتربين. اذ اعتبره البعض، من مختلف أحزابهم، موجهاً ضدهم، كون ملايين منهم يعيشون اليوم في سوريا والأردن ومصر والإمارات اثر سقوط النظام والتصفيات الطائفية التي رافقت السنتين الأخيرتين بعد تفجيرات الروضة العسكرية في سامراء. ومسيرة الاغتراب مرت بتعرجات غريبة، وتنوعت إثنياً وطائفياً ومناطقياً حسب نمط الحروب، وحسب اللحظة الزمنية لعقود العراق السابقة. كانت الضربة الهائلة التي سددت للنسيج الاجتماعي حدثت في نهاية السبعينيات. في تلك السنوات لوحقت تنظيمات اليسار العراقي، وعلى رأسها تنظيمات الحزب الشيوعي الذي كان حليفاً للبعث طوال عقد السبعينيات تقريباً. وهاجرت الى الخارج أعداد كبيرة من اليسار، بلغت عشرات الآلاف، وهؤلاء استقروا في سورية ولبنان، وفي كردستان العراق كمقاتلين، والدول الأوروبية لاحقا. تبع هذه الموجة، أو في الآن، نفسه أعضاء حزب الدعوة الإسلامية اثر إعدام المفكر الإسلامي محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى، ثم تم تهجير الأكراد الفيلية الى إيران، وهؤلاء استقر معظمهم في إيران، وهاجر قسم قليل منهم الى أوروبا. وفي كردستان كانت الحرب مع النظام قائمة. وحالما قامت الحرب العراقية الإيرانية، وامتدت المعارك في خط طوله زهاء ألف كيلومتر حتى بدأ نزيف جديد ينثال من البلد. كان هذه المرة من مختلف المستويات العلمية، ومن مختلف المذاهب والقوميات، الا أن حصة الأكراد وأبناء المناطق الجنوبية هي الغالبة. كانت الحرب تدور قريباً من مدنهم، بل وأصبحت في تخوم بعضها مثل البصرة والسليمانية والعمارة. الهاربون من الحرب، لهذا السبب او ذاك، ظلوا طوال عقد الثمانينيات يسيلون نحو سوريا، وإيران، والكويت، والأردن، وأوروبا. وصل بعضهم إلى أفغانستان عبر إيران ثم باكستان، بحثاً عن منفذ للخروج من دائرة الشرق منجم الحروب والتخلف. كانت هناك تخمينات تقدر عدد العراقيين في المنفى، حتى بداية الحرب مع الكويت، بمليونين تقريبا، وربما اكثر. استوعبت معظمهم الدول الأوروبية وسوريا وإيران. لكن احتلال الكويت، والحرب المرافقة له، قذف بعشرات الآلاف نحو الأسر أو اللجوء في مخيمات رفحة والأرطاوية في صحراء السعودية، حيث بنيت لهم مخيمات وعاشوا بانتظار الخروج إلى أوروبا عبر الأمم المتحدة. بلغ العدد حسب بعض الإحصائيات غير الدقيقة نحو خمسين ألفا، لم يشأ سوى عدد ضئيل منهم العودة الى العراق بعد انتهاء معارك استعادة الكويت. ويعتبر عقد التسعينيات المسمى بعقد الحصار، مرحلة زمنية حرجة ارتفع فيها الهروب من الوطن درجات قياسية. الهروب لم يعد لدواع سياسية كما في السابق، بل شمل الطبقات كافة، وجميع الاتجاهات الفكرية والسياسية. وكان الجميع يبحث عن حياة أفضل، او عن عمل يمنحه لقمة عيش له ولعائلته، أو عن متنفس للحرية بعد أن أطبق الظلام والقمع على خارطة الوطن. وصار راتب الموظف الشهري لا يشتري له بنطالاً لمن السعر المتوسط. وبقيت الأوضاع متردية على المستويات كافة، وظلت تدفع المزيد والمزيد للهجرة. وفي الحقيقة لم تكن هناك إحصائيات رسمية عن العدد الذي بلغه العراقيون في المهجر، لكن من المعروف ان اللاجئين العراقيين صاروا قضية دولية، سواء لدى الأمم المتحدة أم لدى الدول الكبرى. وحسب خبرة شخصية يمكن القول ان معظم اللاجئين، سواء في عقد الثمانينيات او التسعينيات، كانوا إما أكراداً او من الجنوب. وبحلول العام ألفين وثلاثة، العام الذي قامت فيه الحرب الأخيرة، وما رافقها من انهيار للدولة، واحتلال للقوى متعددة الجنسية، وتشرذم حزب البعث والأجهزة الأمنية، ثم ما تلا ذلك من مواجهات طائفية، خرج مئات الآلاف هرباً من التصفيات الطائفية او التصفيات الانتقامية. قسم من هؤلاء كانوا من أنصار النظام السابق، العاملين في أجهزته الأمنية والحزبية والنقابية. استقر عدد كبير منهم في سوريا والأردن والإمارات ومصر ولبنان، عدا من هاجر الى أوروبا وأميركا عن طريق الأمم المتحدة. يقدر عدد من يقيمون في سوريا زهاء الملي
المغتربون العراقيون أصبحوا مشكلة
نشر في: 9 ديسمبر, 2009: 04:50 م