كاظم الجماسيتنقل لنا اخبار التاريخ ان إنسان جزيرة ما قبل ظهور الإسلام، كان يصنع آلهته التي يستعين بها على صروف دهره، بيديه ويشكل أصنام الهته من مواد مختلفة، وتذكر تلك الأخبار ان التمر كان واحدا من تلك الخامات الأولية لصنع الآلهة، وحين يثقل الجوع على إنسان الجزيرة يقدم اعتذاره لإلهه الخاص ومن ثم يرد به غائلة جوعه بالتهامه..
وكان من حظ العراقيين من دون شعوب الأرض المبتلاة بآلهة الاستبداد، ان هشموا (صنمهم-الههم) في لحظة فاصلة من عمر الزمان، بغض النظر عن الكيفية التي تم بها ذلك التهشيم.. غير ان فرحتهم بزوال المستبد لم تتم ولم تجر سفن أيامهم مثلما كانوا يشتهون، وتبين ان للصنم المهشم أذناباً عديدة تحولت الى غيلان ومردة راحت تعيث بمعيشتهم خرابا وبحيواتهم موتا وسفكا، وكان ان استوى اكبر الغيلان وأقواها واقفا يتحدى أية نوايا للبناء وصنع الحياة، هذا الغول اسمه الفساد، وهو غول ليس لمخالبه من عد او حصر، اذ راحت تتغلغل في أدق زوايا حياة العراقيين وأضيق مساربها. وتخبرنا نشرات الفضائيات وصفحات الجرائد وموجات الأثير كل يوم بل كل ساعة، بما يجرح الإحساس ويحز في النفوس وما يخلف في المشاعر من مرارات الأسف والحزن في تمظهرات أثار مخالب الفساد في الاقتصاد والإدارة والأخلاق والصحة والتعليم وفي الأمن والقضاء كذلك. وراح الجسد الواهن للمواطن العراقي يتلقى شتى أنواع التجريح والتمزيق، فيما يعيش هذا الجسد مفارقة يعبر خير تعبير عنها المثل المصري الشائع(أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك استعجب!!) حيث تنهمر تصريحات المسؤولين بنجاح الحملة ضد الفساد (بعدما نجحت أختها من قبلها ضد الإرهاب)..، في الوقت الذي تتطاير فيه أشلاء الأبرياء بفعل المفخخات والعبوات في أيام (الأحد الدامي) و(أربعاء الرماد) وآخرها الأول من أمس يوم الثلاثاء الأسود. فيما تتواتر فضائح الفساد التي تثير زوابع الغضب الشعبي المكتوم والمعلن، وليس آخرها السبعة عشر مليارا من المال العام بما سمي بفضيحة أمانة العاصمة، التي لم يعرف المواطن اين مصيرها وما مصير مختلسيها؟ الأمر الذي يبرهن على الوشيجة الوثيقة بين غول الفساد و غول الإرهاب.. ما تقدم ذكره لا يعني ان هناك صلة مباشرة بين حدث الثلاثاء الإرهابي وما بعده وبين فضيحة اختلاس المال العام المذكور، بل المقصود ان وجود الفساد واستشراءه بهذا الحجم المهول يشكل تربة صالحة ممهدة لأعمال الإرهاب وفعلها الإجرامي، حيث لا اختراق امني من دون فساد ما في الأجهزة الأمنية التي لم يزل الحديث عن قصور أدائها خجولا ومترددا، ولم يلمس المواطن حتى هذه اللحظة سوى طنين جاهزيتها الذي بات جعجعة من دون طحن.. والأمر لمراقب متريث غير مقطوع الصلة بمستوى الأداء المتدني للدورة الانتخابية الموشكة على الانتهاء سيما تطاحن الكتل السياسية المحتربة على حلبة مجلس النواب، من دون الالتفات الى تشريع الحزمة الأهم من القوانين المؤجلة والتي تمس في الصميم حياة المواطن والوطن.
(جاهزية) الفساد
نشر في: 9 ديسمبر, 2009: 04:59 م