لخبرته الطويلة في معالجة الامراض بالاعشاب والتعاويذ والخرز، اكتسب ملا عيدان شهرة واسعة ، تجاوزت مكان اقامته في الطارمية ووصلت الى القرى المجاورة، ثم انتقل الى ساحة العروبة في منطقة الكاظمية ليقدم خدماته العلاجية لمن يحتاجها، الملا بعمامته الخضراء كان يتخذ من الرصيف مقرا لعمله ، وبجواره باعة السبح والسجائر، واضعا امامه حقيبة حديدية صغيرة، لطالما اثارت محتوياتها استفسارات واسئلة الزبائن ،لكنهم فشلوا في الحصول على اجابة واضحة لسؤال واحد ، الملا قليل الكلام ، وحين يضطر للحديث ينشغل بذكر الادعية والتعاويذ، واحيانا يرفع صوته متمنيا لامة محمد الستر والعافية وحسن العاقبة.
حكيم زمانه لقب اطلقه الزبائن على الملا عيدان، فاستحقه بجدارة وامتياز ، فحين يصاب الطفل بالتهاب اللوزتين تتوجه الام الى الحكيم ، فيدخل اصبعه في فم الطفل ،وبمسحة من الرماد يستعيد المريض عافيته ، فتحمله امه الى مرقد الامامين ، لاداء الزيارة ، في حقيبة الملا دواء لكل داء ، فحين يقصده شخص يطلب "قوة الباه" يناوله خليطا من السكر وجوز البوة مع نصيحة بالتهام حفنة منها قبل التوجه الى النوم، وفي اليوم التالي يعود الزبون تعلو وجهه ابتسامة عريضة لتقديم الشكر والامتنان ، لانه حقق "انجازا ثوريا" ليلة امس متعدد الصفحات ، فيمنح للملا دينارا ، مع دعاء بطول العمر.
كان المقربون من الملا يتداولون عنه حكايات منها انه في احد الايام وبالتحديد مطلع سبعينات القرن الماضي ، جاءت سيارة مارسيديس من موديل ذلك الزمان واقلته الى مكان مجهول ، وتبين في ما بعد انه قدم خدماته لمسؤول كبير ، ولقاء خدماته عاد بمبلغ عشرة دنانير ، ولم يكشف الملا عن اسم طالب خدماته ، واحتفظ بالسر كأي طبيب مختص يرفض كشف اسرار مرضاه ، ومن قدرات الملا امتلاكه خرزة لها القابلية الفورية والتاثير الفعال لمعالجة لدغ العقارب والافاعي ، وابطال السحر وزرع المحبة في قلوب الازواج ، واحباط محاولات الزواج باكثر من امرأة والكشف عن السرقات ، وانهاء العداوات ، والنزاعات العشائرية ، بمعنى اخر انه كان عاملا مهما في اشاعة السلم الاهالي ، فكلمته مسموعة بين الاطراف المتنازعة وقراره ملزم ، ويروى عنه انه انهى مواجهة مسلحة بين المشاهدة والدليم ، بعد ان عجزت الاجهزة الامنية في العام 1972 عن ايقاف القتال بين الطرفين ، فوصلت سمعته الى كبار المسؤولين ، وتضاعف الاقبال على خدماته ، حتى يوم وفاته بعد شهر من اندلاع الحرب العراقية الايرانية وقيل وقتذاك ان وجود الملا عيدان ربما سيعجل في وضع نهاية للحرب .
الملا عيدان لم يعلم ابناءه سر مهنته ، ففقد الزبائن خدماته ، ويوما بعد اخر ، ما عاد احد يتذكره في ساحة العروبة ، اما معارفه من كبار السن ، فيستحضرون صورة المرحوم وعمامته الخضراء، ويتمنون ظهور بديل لعله يستطيع اعادة الامن المفقود ، ليكون حكيم زمانه.
حكيم زمانه
[post-views]
نشر في: 20 أكتوبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو اثير
سيدي الكريم أذا مات وذهب الملا عيدان رحمة الله عليه فماشاء الله عندناألآن وخاصة على المشهد السياسي والنواب ثلة كبيرة ومجموعة أكثر من الملالي والسادة والشيوخ وشخصيات مرموقة من الذين يكنونهم ويدعوهم بالمولانا السيد يمكن أن يأخذوا مكان ودور الملا عيدان وأعتق