بغض النظر عن موقفنا من حزب العمال الكردستاني، الذي يقال إن مؤيديه هم من يخوضون معركة الدفاع البطولية عن كوباني، وبغض النظر عن موقف هؤلاء من الأحداث في سوريا، فإن صمودهم الملحمي وتمسكهم بمدينتهم، أجبر العالم على احترام إرادتهم، والسعي لتعزيز موقفهم ومقاومتهم لإرهاب الدواعش، الذين يحاولون عبثاً منذ أكثر من شهر سحق المدينة البطلة، التي خطفت بصمودها وبسالة أبنائها الأضواء من كل ساحات المعارك، التي تشارك فيها داعش ومن هم على شاكلتها، وبغض النظر أيضاً عن هوية مقدمي الدعم والمساعدة والأسلحة لكوباني، فإن المؤكد أن شعب كوباني سيحفظ لهم هذا الموقف الإنساني النبيل.
سترتفع أصوات اعتادت الصيد في الماء العكر، للتشكيك بمواقف من تقدم لدعم صمود كوباني، وسيسعون لافتعال معارك جانبية، مُذكّرين بالخلافات السياسية بين المقاومين في كوباني وبعض الأطراف السياسية الكردية، وهي خلافات نأمل أن تظل في إطار البحث عن مصلحة الأمة الكردية، وتحقيق هدفها الاستراتيجي، وليس سراً أن أربيل تعالت على كل خلاف، وعضّت على أي جرح، وبادرت رغم حاجتها، إلى تقديم الغذاء والسلاح لإخوتها الكرد في كوباني، لإدراكها أن المشروع القومي للكرد يستحق كل التضحيات، بما فيها المشاركة الفعلية في المعركة، وليس سراً أيضاً أن أبطال البيشمركة، الذين سمحت لهم تركيا بالمرور عبر أراضيها إلى كوباني لشد أزر إخوتهم، سيؤكدون بدمائهم وحدة هذه الأمة، وإن اختلف سياسيوها على بعض التفاصيل.
واشنطن لم تغير سياستها كما تقول، لكنها خرقتها حين قام طيرانها العسكري بإلقاء مؤن وأسلحة من الجو، قدمتها سلطات إقليم كردستان العراق، بهدف إتاحة استمرار التصدي لمحاولات الدواعش للسيطرة على كوباني، وأعلنت أن طيرانها شن عدة غارات، لمساعدة المقاتلين الكرد على صد محاولة جديدة قام بها التنظيم المتطرف، لقطع خطوط إمداداتهم من تركيا، واعترف المقاومون أن الأسلحة والذخائر التي تلقوها، ستساعدهم كثيراً في مواجهة الهجمات التي يشنها الدواعش، واعتبروا أن المساعدات العسكرية كانت جيدة، وستؤثر إيجاباً على سير العمليات العسكرية ضد المهاجمين، في حين وجدت واشنطن نفسها مجبرة على على القول، إن عدم مساعدة الكرد في قتالهم ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في كوباني أمر غير مسؤول، وصعب أخلاقياً، ، مع إدراكها التحديات التي تواجهها تركيا في ما يتعلق بحزب العمال الكردستاني المحظور.
أنقره أيضاً وجدت نفسها مجبرة على التعامل مع الواقع الجديد الذي فرضته إرادة المقاومة في كوباني، رغم أنها ما تزال ترفض الدعوات لتسليح المقاتلين الكرد المدافعين عن المدينة، باعتبار أنهم ينتمون إلى وحدات الدفاع عن الشعب، وهي تصف هذا الحزب الكردي في سوريا بأنه منظمة إرهابية، لكنها لم تجد مفراً من مساعدة قوات البيشمركة التابعة لإقليم شمال العراق على العبور إلى كوباني، والقول إنها لم ولا ترغب أبداً بسقوط المدينة تحت سطوة الدواعش، وأنها بذلت كل ما في وسعها للحيلولة دون ذلك، وقدمت كل المساعدات الإنسانية والطبية، وراعت قواعد الاشتباك، وأقامت تعاوناً تامّاً مع التحالف الدولي لتطهير المنطقة من كل الأخطار، وكشفت عن تأسيس قيادة مشتركة في مواجهة داعش، يضم عدة مجموعات، إلى جانب حزب الاتحاد الديموقراطي.
لا ننطلق في حديثنا عن كوباني من المشاعر العاطفية، مع أن مقاومتها وصمودها يبيحان ذلك ويتيحانه، وإنما لتأكيد أن إرادة المقاومة قادرة على هزيمة كل الأخطار، وتغيير مواقف كل القوى، وعلى بناء تحالفات جديدة كانت مرفوضة من قبل، وعلى تحقيق النصر، وهذا ما يتم اليوم في كوباني، التي لن تتحول أبداً إلى عين الإسلام.
كوباني تفرض حضورها
[post-views]
نشر في: 21 أكتوبر, 2014: 09:01 م