TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > زعماء العوالم المجازية

زعماء العوالم المجازية

نشر في: 22 أكتوبر, 2014: 09:01 م

كتبت مطلع الأسبوع عن مؤتمر مناهضة الكراهية الدينية والطائفية الذي نظمته الأمم المتحدة في تونس وكنت ضمن المشاركين فيه، ولا أتمنى الآن سوى ان نفتح هذا الحوار على شكل مؤتمر دائم الانعقاد يتجول في مدننا يحاول تصحيح الاستفهامات، لا لكي ندافع عن طرف ضد طرف، بل لكي نساعد الأناس الطيبين من كل الأطراف، على حماية انفسهم من الانجرار وراء نتائج شريرة تنتهي اليها طيبتهم المندفعة.
ومن القضايا المثيرة التي تضمنتها تقارير فرق رصد من بلاد العرب، مشكلة المعلومات الخاطئة او المفبركة التي يجري تمريرها عبر الانترنت، فتنتشر لان الجمهور ليس لديه وقت ولا تمرس كي يميز دوماً، بين خبر محترف وآخر مفبرك، وتفيد التقارير ان نسبة كبيرة من تغذية الكراهية، تعتمد على نشر المبالغات والأكاذيب، لزيادة شيطنة الطرف الاخر.
وبينما نحتاج للتفكير في احتواء هذا، يناقش المشاركون"الحرب الحقيقية"التي تجري في العالم المجازي ومواقع الانترنت. وهناك من قال بلوعة: ان علينا ان نتصل بالأشخاص المؤثرين في فيسبوك، أولئك الذين يتابع كل واحد منهم، اكثر من خمسين الف شخص، كي نحاول جمع"زعماء العالم الافتراضي"في مؤتمر او في"مجلس امن العالم الافتراضي"اذ بلغت خطورة دورهم مستوى يحتم وضع قواعد للحرب داخل عوالم المجاز، لأنها حرب لا تخضع لأية قاعدة، بينما تؤثر كل لحظة على الحرب الميدانية. ولتشمل القواعد الملزمة هذه، مالكي الفضائيات التحريضية من كل الأطراف، فخطاب وسائل الإعلام هذه سلاح دمار شامل.
واحدة من محاولات تطويق ذلك هي البدء برصد المحرضين، ونشر بيانات حول دورهم، وذلك عبر ائتلاف نجحت منظمات مدنية في دول كثيرة في إنشائه، وسيكون أمام منظمات من العراق الانخراط في هذا الجهد الإقليمي الذي ترعاه الأمم المتحدة، للبدء بتطويق الكارثة التحريضية، لكنني سألت اكثر من مشارك، حول المجتمع المدني نفسه، اذ هو في كثير من الأحيان، منقسم طائفيا، وهو جزء من التحريض، حتى لو لم يقصد التحريض، بل انخرط في انفعالات تتحول الى خطاب كراهية.
ورغم ان المرض الفتاك يجتاح الناشطين انفسهم أحيانا، لكن علينا ان لا ننسى الإشادة بجهود نساء ورجال يكافحون خطاب الكراهية ويتجاوزون انتماءهم الفئوي، وقد سرد بعضهم لنا العذابات، وكيف احرق المسلحون منازلهم بتهمة الخيانة، في بلدان شتى، لانهم اصروا على فضح خطابات التحريض.
هؤلاء المنخرطون في جهد مدني، يضحون بأشياء كثيرة مدركين ان الانحياز لطوائفهم أثناء ارتكابها الخطأ، سيغري طوائفنا الطيبة بمزيد من الأخطاء وسيبدد معنى المجتمع الحديث الذي نريده نظاما ثقافيا وأخلاقيا يوفر العدالة، ويقضي على التمييز، بوصف هذا أسلوبا وحيدا لإنقاذنا من الدمار الذي بدأ يحتد وينفلت.
اخر ملاحظة وددت تسجيلها، هي ان الدنيا لم يعد لديها وقت، بينما لدى العرب وقت طويل. فالمتحدث الأجنبي قام بتطوير أسلوب الكلام والعرض، وهو بمثابة مهندس ديكور يصمم هيكل الفكرة بسلاسة الرياضيات، ويشدك اليه بصور على الداتا شو، ويقول في عشر دقائق ما يتطلب قوله ساعتين، تساعده"شيفرة لغوية"واصطلاحية متطورة، حيث يتولى الأذكياء ابتكار طرائق اسرع واسلس للتفاهم، ستساعد البشر على فهم بعضهم بنحو اسهل، وتقليل أسباب الكراهية في النهاية.
اما المتحدث العربي فانه لايزال يحتاج ان يتحدث ساعتين عن عيون حبيبته، لكي ينتقل لاحقا لوصف مشكلة في سرج الحصان، فبعض المشاركين في المؤتمر غرقوا في المقدمات الطويلة، التي لم يبذل صاحبها جهدا في هندسة فرضيتها وفكرتها لإيصالها بسهولة ودقة. ان غرقنا في المطولات خلق الملل واليأس، والكراهية حصيلة العجز عن التفهيم والغرق في يأس الإطالة. وأرجو ان لا أكون من هؤلاء في هذه المقالات التي اختصرتها الى نصف الحجم المعتاد بعد كفاح لغوي دام سنوات!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. جمال أحمد

    لا والله انت منهم وأصارحك القول ان مقالاتك هي الاطول من باقي مقالات الاعمدة في المدى ولكني اشهد انها في الغالب الاكثر مشاكسةٍ وجرأة

  2. حامد اسماعيل حسين

    الأخ سرمد الطاءي المحترم.كل ما تكتبه وتنطق به سوى كان المقال مختصر او مقال تكثر فيه التفرعات فهي تنبع عن مايدور في عقل وضمير ووجدان كل إنسان لايستطيع ان يعبر او يتجرء ان يعبر مثلك فأنت وبقية الكتاب الأعزاء في الموقع كتاباتكم سوى كانت قصيرة او طويلة فهي ذو

يحدث الآن

بايدن: اتفاق غزة بات أقرب من أي وقت مضى

خرائط وبيانات ملاحية ترصد 77 خرقاً "إسرائيلياً" لأجواء أربعة دول عربية منذ تهديد إيران

مشعان الجبوري يخاطب "السيادة": اعتذروا والا

أمر قبض ومنع سفر لـ"زيد الطالقاني"

برلماني يكشف آخر مستجدات منصب رئيس البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

قناطر: في قراءة قانون الأحوال الشخصية

قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

الدولة لا الاحكام الظنية من تضع للاسرة تشريعاتها

العمودالثامن: لماذا يطاردون النساء ؟

العمودالثامن: من الشبيبي إلى رشيد الحسيني

العمودالثامن: من الشبيبي إلى رشيد الحسيني

 علي حسين لم يكن الشيخ محمد رضا الشبيبي مجرد سيرة حافلة بالمواقف الوطنية، بل كتاباً غنياً لحقبة من الزمن الجميل، كان الشبيبي يريد دولة تقوم على العقل والأخلاق السياسية والاجتماعية وكرامة الإنسان، كان...
علي حسين

كلاكيت: عماد حمدي.. المسطول الذي رثى مسيرته

 علاء المفرجي إذا ما سلمنا أن الممثل عادة هو من صنع المخرج، فأن انطلاقة الفنان عماد حمدي كانت من تلك الفورة الكبيرة في السينما المصرية ومن نشاط المنتج (شركة أو افراد) التي كانت...
علاء المفرجي

قرنان من التشيع والحوزة في العراق.. من 1722 إلى 1922

علي المدن شاهدت الحلقة التي أعدها الأستاذ أحمد الحسيني على قناته في اليوتيوب وكان عنوانها (صراع قم مع النجف.. هل اقترب ظهور المرجع العراقي). وهي حلقة غنية بالمعلومات تنم عن جهد كبير بذله الحسيني...
علي المدن

الدولة لا الاحكام الظنية من تضع للاسرة تشريعاتها

هادي عزيز علي اعتمد الفقهاء المسلمون الاحكام الظنية التي تتسع فيها دائرة الاجتهاد اذ استنبطوا منه الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي فيما لا نص فيه للوصول الى قواعد عملية تتعلق بادارة الشان العام بما...
هادي عزيز علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram