TOP

جريدة المدى > سينما > دولة الخرافة.. كوميديا عراقية في موسم قطاف الرؤوس

دولة الخرافة.. كوميديا عراقية في موسم قطاف الرؤوس

نشر في: 22 أكتوبر, 2014: 09:01 م

مثل باقي الأجناس الأدبية ، تقصّر الدراما العراقية في التعبير عن معاناة الإنسان في بلدٍ  يتصدر قائمة البلدان الأكثـر سخونة بل اشتعالاً  ليس في  المنطقة فحسب بل في العالم  .  و لهذا التقصير أسبابه المتعددة العديدة التي لا يزال

مثل باقي الأجناس الأدبية ، تقصّر الدراما العراقية في التعبير عن معاناة الإنسان في بلدٍ  يتصدر قائمة البلدان الأكثـر سخونة بل اشتعالاً  ليس في  المنطقة فحسب بل في العالم  .  و لهذا التقصير أسبابه المتعددة العديدة التي لا يزال - حتى اللحظة-  يجهد في تأويلها و يختلف عليها نقاد الأدب العراقي . لكن المتفق عليه أن  هذا الخلل الوظيفي أدى الى انزواء الدراما العراقية الى ركنٍ ظليل يحول بينها و بين الانتشار على مستوى الوطن العربي  كما تفعل  الدراما السورية و المصرية. 
يتابع العراقيون هذه الأيام كوميديا تلفزيونية مسلسلة بعنوان ( دولة الخرافة ) من إنتاج شبكة الإعلام العراقي يكتبها ثائر جياد الحسناوي و يخرجها علي القاسم . يرى القائمون على العمل أن داعش نجحت في نشر الذعر في العراق ، و العالم ، بوسائلها الإعلامية التي تبث مشاهد غاية في الرعب و الدموية كجزء هام من حربها النفسية و أن ذلك يتطلب دعاية مضادّة تبدّد الخوف و تنشر الطمأنينة و ترتفع بالروح المعنوية و أن الكوميديا إحدى أهم الوسائل لتحقيق هذا الغرض . و "دولة الخرافة" عمل بسيط لا يعتمد على ميزانيةٍ باذخة و حشدٍ كبير من النجوم ومواقع التصوير بل يضطلع به عددّ محدود جداً من الممثلين ( أغلبهم من الشباب الذين. طلب بعضهم عدم كتابة اسمه في التايتل عملا بمبدأ السلامة ) داخل الأستوديو . الأستوديو المتواضع تم تصميمه كمدينة عراقية لا تحمل اسماً معيناً تُبتلى بالعيش تحت حكم ( الخليفة) و تعاني في حياتها اليومية من حكمه الجائر . المدينة الافتراضية هي عبارة عن شارع صغير و مقهى شعبي ( مقهى الخليفة ) و صالون حلاقة ( حلاقة الخليفة ) و دكان خضراوات ( خضراوات الخليفة ) و تقوم الكوميديا على المفارقة والتناقض الصارخ بين الحياة الوادعة المتسامحة التي يعتادها السكان من جهة و التشدّد المفرط الذي يأمر به الخليفة و يفرضه رجاله الملتحون بالسوط و السلاح من جهةٍ أخرى . يظهر الخليفة في دار الخلافة بزيه الأسود التقليدي متوشحاً السيف تحيط به لافتات سود كتب عليها : طائفية ، تهجير ، سبي و تفجير و يحيط به عدد من المستشارين الأجانب بتشخيص كوميدي و يقف بين يديه ( الرفيق) بملابس عسكرية في إشارةٍ الى تعاون بعض أقطاب النظام السابق مع ( تنظيم الدولة ) و كما تشير الى ذلك أغنية الشارة التي يؤديها عدد من الرجال الملتحين حاملين السيوف و البنادق : 
جينا لهدم العراقِ.
حنّا و بعض الرفاق 
ولدولة الخرافة قناة تلفزيونية اسمها ( دم بي شي ) تظهر فيها مذيعة الأخبار( الفنانة سولاف) تغطي وجهها و جسمها بالكامل و خلفها تظهر خارطة الدولة مرسومة بالدماء و الجماجم البشرية تملأ الشاشة . تقول أغنية الشارة أيضاً : و اللي يفجر بشدة. مع الرسول يتغدى 
و. حرمنا شرب السيجارة.
و هجرنا كل النصارى 
و حرمنا كل شي إباحي.
إلا جهاد النكاح 
أما اللازمة المتكررة بين المقاطع فهي : يا قاطع الرأس وينك 
يضحك العراقيون كثيراً من هذه الكوميديا السوداء فلطالما أثارت رؤوسهم شهية الطغاة على مدى تاريخ العراق الطويل منذ أيام ( الأمير ) الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان يرى أن رؤوس العراقيين قد ( أينعت و حان قطافها ) فأصبح مثالا للحاكم ( الرشيد ) و للأمانة التاريخية فإن البعض من أقطاب النظام السابق لم يكن يجد الحرج في التغني بسيرة ( ابن جلا و طلاّع الثنايا) الى درجة تأليف الكتب عن سيرته العطرة مرورا بهولاكو الذي صبغ مياه دجلة بدماء العراقيين و حبر كتبهم الى الزعماء المناضلين في الحكومات الوطنية الذين ابتكروا المقابر الجماعية الحديثة.
لا يخلو العمل الكوميدي - كالعادة- من بعض الإسفاف لكن حسناته يُذهبن السيئات ليعود رصينا هادفا . ومن حسناته الكبرى أنه ينأى بنفسه تماماً عن الطائفية البغيضة فالمدينة العراقية المفترضة ، مثل المدينة العراقية الحقة ، لا تكتسي بحلة طائفة معينة و سكان المدينة جميعا مبتلون بهذا الدخيل ومنهم رجل الدين السني المعتدل الوقور ( إمام المسجد ، الفنان القدير طه علوان ) الذي لا يحرّم ما أحلّ الله ولا يبيح ما حرّم الله ويحظى باحترام سكان المدينة جميعا.
في تفسير ظاهرة المعالجة الكوميدية للأحداث الجسام يقول أهل الأدب ، عادةً ، أن إرادة الحياة تغلب سواها و هو قولٌ شائع لا معنىً دقيقا له ولا محل من الإعراب فكلّ بني البشر يحبون الحياة وينفرون من الموت فطرة الله و لا يختص العراقيون بهذه الخصلة لكني أزعم أنّ بني قومي ألفوا الرعب و الجزع ، فقد نزل الموت بديارهم و طاب له المقام فاعتادوه . ورأوه بأمّ أعينهم يرتع و يلعب بين ظهرانيهم : في البيت و الشارع و المقهى والمسجد و السوق و المدرسة و خبروا كل أشكاله : مفرداً أو جمعا راجلا أو راكبا صامتا أو مدويا لا فرق ولذا خلصوا الى السخرية من القتلة لأنهم ، العراقيون ، تعلموا جيدا بعد طول التجربة أن الطاغية الجديد الذي يقطف رؤوسهم كلما ، وأينما أينعت سيمضي كما مضى أسلافه الطغاة و ستعود ربوعهم راضية مرضية ، صافية عذبه مثل ماء دجلة الرقراق الذي ينهل منه فيرتوي كل العراقيين على اختلاف الملل و النحل و لو بعد حين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram