TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > احتساء اللهب بكأس من جمر مقاطع من كتاب "الحرب والمنفى"

احتساء اللهب بكأس من جمر مقاطع من كتاب "الحرب والمنفى"

نشر في: 25 أكتوبر, 2014: 09:01 م

1
تقولون لي اكتبيها قبل أن ...؟ قبل الموت أو بعد النجاة ؟ هل ترونا نجونا؟؟ لا.. ليس بيننا من ناجين أبدا .. فالذين لم يموتوا هم الضحايا الحقيقية للحروب والاقتتال المستديم ، الموتى هم الناجون بامتياز راحتهم الأبدية.
سأكتبها ، وهذا يعني استعادة تاريخ الألم وعيشه مضاعفا كل آونة، سأحاول رؤية العالم بعيني امرأةٍ وأمٍ عاشت ألف عام فاكتسبت مناعة ضد الصمت والموالاة والتواطؤ، سأحتسي اللهب بكأس من جمر وأحاول كتابة الحرب كمثلِ من يعاني موته ألف مرة ويعاد تكريسه قربانا لعذابات البلاد..
كيف سأحصي خسائرنا ؟؟كم حربا مرت على تضاريس أرواحنا وشعاب قلوبنا ؟ كم ابنا ابتلعته المتاهة ؟ كم عاشقا تناهبته الحرائق؟ وكم أمّاً افترستها ورضيعها المفخخات ؟؟ وكم أبا أذلوه تعذيبا في المعتقلات وتجويعا في مهانة الحصار ؟؟ كم ديكتاتورا وكم قاتلا مرّغوا أيامنا بالدم والرماد؟ كم من فتىً تبدد في حروبهم اللعينة ؟؟ وكم من أرواح سلبتها وحشية سادة الإبادة وتُركت في التيه الرملي بلا أمل ولا ملاذ ؟؟ كم من أحلامِ بناتٍ عاشقات تهاوت على إيقاع مارشات الموت الزائد عن حاجة الحياة؟
هل تعلق الأمهات أرواحهن قرابين فداءٍ على نصب الحرية ليتوقف سيل الدم في بلادنا ؟ ماذا علينا أن نفعل ؟ هل نصمت ونختم أفواهنا بشمعِ الإنكار ونتباهى بحياتنا والجموع تساق إلى الحتوف ؟ كيف سأدّون أوجاعاً تحجبني عن العقل وتطيح بالوعي في بئر الجنون ؟؟
بعض الذين لم يشهدوا الحروب الثلاث والانقلابات الغبية والجنون العقائدي ودوغما القطيع يحرضونني على استعادة أوجاعي بتدوينها ناسين أنها ماثلة في رجفة الدم وذكريات المعتقلات وجروح الفقدان وأن تدوينها يعني استحضار صور قياصرة القتل وطغاة الزمن وأرتال الموتى الطويلة ومأتم المكتبات والفتك بالجمال وبيع السبايا واغتصاب البنات ، وعليّ استعادة الكوارث دونما شهود يسندون مهمتي القاسية ، وهذا شبيه بنزوع مازوشي يقترفه المختلون إزاء انفسهم.
قلت لنفسي : دعك أيتها المحذوفة من نعيم الموتى ، لا تدوّني الحرب حتى تموت الحروب فلست في النهاية سوى امرأة تكتب ، امرأة سلبوا زمنها وبيتها وأمنها فأقامت في برزخ التيه ، ماذا بوسع امرأة لا تجيد سوى خرق الكراهية بنيازك الحب أن تفعل ؟؟ كيف لي أن أدون ملحمة إبادتنا في حروب القتلة وإرهاب الدول وتنازع المصالح ؟؟هاهي سلطة الموت لاتزال مقيمة على عرش البلاد الحزينة حيث يتبرعم الحزن في حدائقنا بدل الزهور وتولد الفاجعة في موسيقى موكب عرس وتفخخ المدن بالكراهية والخراب ، فالموت لم يقفل مزاداته بعد وصرخات الضحايا تتصادى في عظامنا ومع ذلك قد يكون ممكنا إقامة وليمة للدموع في كتاب عن الحرب..
كيف سأدون كوارثنا والطبيب البَطِر ينصحني :إن شئت النجاة من ترنحك وكوابيسك فعليك تعاطي أقراص المحو وأسأله :ماهي أقراص المحو ؟
-عقارٌ يوقف نشاط الذاكرة ويشلّها ، وأفزع من اقتراحهِ المروّع : وماذا يتبقى من المرء حين يخون الذاكرة؟
يضحك الطبيب : يتبقى له النسيان فيحيا سعيدا كطفل يلعب ويأكل ولايبالي بشيء .
لايعرف الطبيب الطائش أن عار الحرب تسلل الى خلايانا من الباب الخلفي للتاريخ وسمم حياتنا عندما فتحه الطاغية ثم دخل منه رجل الدين والمرابون وباعة الأرواح في غفلة من وعينا ،لايعلم أننا لم نغتسل بعد من عار ذلك التاريخ وننتظر طوفانا عظيما ليطهر ترابنا من بذور الخراب.
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تعطيل الدوام غداً في ذكرى النصر على داعش

الخطوط العراقية: 1523 رحلة و214 ألف مسافر خلال تشرين الثاني

العدل: تأهيل 3000 حدث خلال عامين وتحديث مناهج التدريب وفق سوق العمل

إيران تكشف لغمًا جوّيًا يصطاد الطائرات المسيّرة من السماء

هيئة الرصد تسجل 8 هزات أرضية في العراق والمناطق المجاورة خلال أسبوع

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram