TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الايراني في مهرجان المربد 

الايراني في مهرجان المربد 

نشر في: 25 أكتوبر, 2014: 09:01 م

   كنتُ وددتُ لو أن الأرض انشقت وابتلعتني خجلا، وانا أسير من فندق الشيراتون إلى مجموعة الفنادق، في شارع الاستقلال مع نخبة من الادباء المدعوين لمهرجان المربد الشعري، بينهم العربي والاجنبي، أما حين سألني الشاعر والمترجم الايراني موسى بيدج، عن السبب في عدم نظافة الشوارع وتراكم النفايات والمياه الآسنة، فقد تعلقت بشماعة الوضع الأمني مثلما يتعلق بها كبار المسؤولين عندنا، ذلك لأني لم أجد تبريرا واحداً لذلك أمامه. 
في دخيلة 90% من المسؤولين في البلاد، ومن الاحزاب الدينية تحديدا أننا معشر الأدباء والمثقفين والعلمانيين نكرههم، ونعمل على تسقطيهم، وهذا ظن لا يستند على حقيقة مطلقاً، حيث لا يزايد أحد على ولائنا للوطن وحبنا له وتضحياتنا من اجل رؤيته كاملا، قويا، متماسكاً. لسبب وجيه بسيط هو أننا معشر العلمانيين وعلى خلاف الجميع عابرون للطوائف والاديان والاعراق. لم تفرقنا طائفة ولم نرتمس في مياه الولاءات الخارجية. لأن العراق الموحد القوي ظل هاجسنا الابدي.
  من هذه ارجو ان يتسع صدر المسؤولين في البصرة لما نشير اليه من أخفاقات في عمل المؤسسات الخدمية خاصة. إذ من غير المعقول ان لا تعمل الادارة المحلية على التنسيق بين الجهة الأدبية – اتحاد الادباء- الراعية لمهرجان المربد وبين قاطع البلدية في حي الزهور وشارع الاستقلال حيث يقيم أكثر من 300 أديب ومثقف، جاءوا من شتى بقاع الوطن العربي ومن إيران وتركيا وأوروبا وفي أذهانهم صورة البصرة، المدينة التاريخية الكبيرة!!! . ولا أعلم هل كانت المدينة، بحسب ظن حكومتنا طللاً غابرا، متربة ً من رمل واحجار يبكيها الشعراء بقدومهم هذا ؟   
  يقول الشاعر والمترجم الايراني، ورئيس تحرير مجلة شيراز، الذي يزور البصرة للمرة الأولى: بانه قبِلَ الدعوة مستحضرا كلمات اغنية فؤاد سالم ( يا بو بلم عشاري) حيث النخل والمياه والبساتين والشوارع الجميلة لكنه أصيب بخيبة أمل كبيرة حين شاهدها وهي على الحال هذه. فتذكرت ما كانت تقوم النسوة من كنش وتنظيف ورش الماء على التراب امام مداخل البيوت حين يعلمون بان زائرا لهم (خطارا) سيأتي . ولا أظن ذلك بمستعص على أحد، ولو كنا نملك إدارة ثقافية رصينة ومثلها في المبنى الحكومي لما وقعنا في المأزق الاخلاقي هذا. وقد زار معظمنا إيران الجارة المسلمة والكويت والمملكة السعودية والاردن وبيروت واسطنبول وحضرنا مؤتمرات في السياسة والثقافة والإعلام. ترى هل دلنا أحد على مدينة بالإهمال هذا ؟ 
  لا نبخس المحافظ قولا في جديته، ولا نقول فيه إلا الخير، ومثل ذلك نقوله للكثير من اعضاء المجلس، لكن قضية النظافة ورفع النفايات في منطقة حي الزهور وشارع الوطني والاستقلال وما يجاورها امر لا يتحمل الاغفال، ذلك لأنها منطقة فنادق ومبيت الزائرين، والبصرة مدينة صارت لا تنام، وفيها من الحراك الاقتصادي ما ليس في سواها من مدن الوسط والجنوب، والقضية لا تحتاج إلى عبقرية كبيرة، إذا ان ترصيف وتبليط شارع ورفع نفايات منه أمر ما عاد من  المعجزات. تساءل احدهم قائلا: تدخل فندق الشيراتون فتجد أن المكان نظيف والحديقة عامرة زاهية، وتجد الناس باسمين، فرحين، مستبشرين فالصالة الواسعة والموظفون الأنيقون دلالة تحضر للبصريين، وهم بالصورة التي في أذهاننا. لكنك ما أن تغادر بوابة الفندق حتى تلتهمك الشوارع بقذارتها فتنسى ما كنت فيه من نعيم ورغد. 
  يمكننا ان نعيد هنا ما كنا اشرنا له في اكثر من مناسبة بأن الثقافة ليست مهرجانا للشعر وتدبيجا للخطب الرسمية او حفلا موسيقيا، مسرحيا..  يا سادتي المسؤولين إنما هي حراك وفهم ونظام محكم وقرار يبدأ من البيت والروضة ولا ينتهي في السوق والمبنى الحكومي، لكن ما نلاحظه، ونحن ندخل أي مؤسسة رسمية أو شعبية لا يشير إلى أننا في الاتجاه الصحيح، ومالم تتدخل الإدارة المحلية بقوانينها التي يجب أن تكون صارمة في حماية قلوب مواطنيها من القهر والاذلال الاجتماعيين وآذانهم من أصوات باعة الطماطم والبطيخ وصور الرعب والموت التي عند زعماء الطوائف وشيوخ العشائر لن تتمكن من حماية اجسادهم من رصاص وشظايا داعش والارهاب أبداً .  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. محمد سعيد العضب

    المشكله يااخي الكاتب ذات ابعاد عديده ترتبط اولا بالاسباب الحقيقه في عدم الاهتمام بنظافه المدن وغياب دور اجهزه البلديه المحليه في هذا المضمار يرجع السبب الحقيقي حسب اعتقادنا المتواضع الي فلسفه ومناهج اداريه وتصورات اجتماعيه خاطئه, بل ربما بائ

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram