كنتُ وددتُ لو أن الأرض انشقت وابتلعتني خجلا، وانا أسير من فندق الشيراتون إلى مجموعة الفنادق، في شارع الاستقلال مع نخبة من الادباء المدعوين لمهرجان المربد الشعري، بينهم العربي والاجنبي، أما حين سألني الشاعر والمترجم الايراني موسى بيدج، عن السبب في عدم نظافة الشوارع وتراكم النفايات والمياه الآسنة، فقد تعلقت بشماعة الوضع الأمني مثلما يتعلق بها كبار المسؤولين عندنا، ذلك لأني لم أجد تبريرا واحداً لذلك أمامه.
في دخيلة 90% من المسؤولين في البلاد، ومن الاحزاب الدينية تحديدا أننا معشر الأدباء والمثقفين والعلمانيين نكرههم، ونعمل على تسقطيهم، وهذا ظن لا يستند على حقيقة مطلقاً، حيث لا يزايد أحد على ولائنا للوطن وحبنا له وتضحياتنا من اجل رؤيته كاملا، قويا، متماسكاً. لسبب وجيه بسيط هو أننا معشر العلمانيين وعلى خلاف الجميع عابرون للطوائف والاديان والاعراق. لم تفرقنا طائفة ولم نرتمس في مياه الولاءات الخارجية. لأن العراق الموحد القوي ظل هاجسنا الابدي.
من هذه ارجو ان يتسع صدر المسؤولين في البصرة لما نشير اليه من أخفاقات في عمل المؤسسات الخدمية خاصة. إذ من غير المعقول ان لا تعمل الادارة المحلية على التنسيق بين الجهة الأدبية – اتحاد الادباء- الراعية لمهرجان المربد وبين قاطع البلدية في حي الزهور وشارع الاستقلال حيث يقيم أكثر من 300 أديب ومثقف، جاءوا من شتى بقاع الوطن العربي ومن إيران وتركيا وأوروبا وفي أذهانهم صورة البصرة، المدينة التاريخية الكبيرة!!! . ولا أعلم هل كانت المدينة، بحسب ظن حكومتنا طللاً غابرا، متربة ً من رمل واحجار يبكيها الشعراء بقدومهم هذا ؟
يقول الشاعر والمترجم الايراني، ورئيس تحرير مجلة شيراز، الذي يزور البصرة للمرة الأولى: بانه قبِلَ الدعوة مستحضرا كلمات اغنية فؤاد سالم ( يا بو بلم عشاري) حيث النخل والمياه والبساتين والشوارع الجميلة لكنه أصيب بخيبة أمل كبيرة حين شاهدها وهي على الحال هذه. فتذكرت ما كانت تقوم النسوة من كنش وتنظيف ورش الماء على التراب امام مداخل البيوت حين يعلمون بان زائرا لهم (خطارا) سيأتي . ولا أظن ذلك بمستعص على أحد، ولو كنا نملك إدارة ثقافية رصينة ومثلها في المبنى الحكومي لما وقعنا في المأزق الاخلاقي هذا. وقد زار معظمنا إيران الجارة المسلمة والكويت والمملكة السعودية والاردن وبيروت واسطنبول وحضرنا مؤتمرات في السياسة والثقافة والإعلام. ترى هل دلنا أحد على مدينة بالإهمال هذا ؟
لا نبخس المحافظ قولا في جديته، ولا نقول فيه إلا الخير، ومثل ذلك نقوله للكثير من اعضاء المجلس، لكن قضية النظافة ورفع النفايات في منطقة حي الزهور وشارع الوطني والاستقلال وما يجاورها امر لا يتحمل الاغفال، ذلك لأنها منطقة فنادق ومبيت الزائرين، والبصرة مدينة صارت لا تنام، وفيها من الحراك الاقتصادي ما ليس في سواها من مدن الوسط والجنوب، والقضية لا تحتاج إلى عبقرية كبيرة، إذا ان ترصيف وتبليط شارع ورفع نفايات منه أمر ما عاد من المعجزات. تساءل احدهم قائلا: تدخل فندق الشيراتون فتجد أن المكان نظيف والحديقة عامرة زاهية، وتجد الناس باسمين، فرحين، مستبشرين فالصالة الواسعة والموظفون الأنيقون دلالة تحضر للبصريين، وهم بالصورة التي في أذهاننا. لكنك ما أن تغادر بوابة الفندق حتى تلتهمك الشوارع بقذارتها فتنسى ما كنت فيه من نعيم ورغد.
يمكننا ان نعيد هنا ما كنا اشرنا له في اكثر من مناسبة بأن الثقافة ليست مهرجانا للشعر وتدبيجا للخطب الرسمية او حفلا موسيقيا، مسرحيا.. يا سادتي المسؤولين إنما هي حراك وفهم ونظام محكم وقرار يبدأ من البيت والروضة ولا ينتهي في السوق والمبنى الحكومي، لكن ما نلاحظه، ونحن ندخل أي مؤسسة رسمية أو شعبية لا يشير إلى أننا في الاتجاه الصحيح، ومالم تتدخل الإدارة المحلية بقوانينها التي يجب أن تكون صارمة في حماية قلوب مواطنيها من القهر والاذلال الاجتماعيين وآذانهم من أصوات باعة الطماطم والبطيخ وصور الرعب والموت التي عند زعماء الطوائف وشيوخ العشائر لن تتمكن من حماية اجسادهم من رصاص وشظايا داعش والارهاب أبداً .
الايراني في مهرجان المربد
[post-views]
نشر في: 25 أكتوبر, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
محمد سعيد العضب
المشكله يااخي الكاتب ذات ابعاد عديده ترتبط اولا بالاسباب الحقيقه في عدم الاهتمام بنظافه المدن وغياب دور اجهزه البلديه المحليه في هذا المضمار يرجع السبب الحقيقي حسب اعتقادنا المتواضع الي فلسفه ومناهج اداريه وتصورات اجتماعيه خاطئه, بل ربما بائ