TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > البشير رئيساً مرةً أخرى!

البشير رئيساً مرةً أخرى!

نشر في: 25 أكتوبر, 2014: 09:01 م

بعد ما يقارب الربع قرن أمضاها الجنرال عمر البشير رئيساً للسودان، الذي انقسم خلالها إلى سودانيين وما زال قابلاً لمزيد من التقسيم، وبالرغم من إعلانه سابقاً عدم تمسكه بالترشح لمنصب الرئاسة مرة أخرى، لأن السودانيين يريدون دماءً جديدةً ودفعةً جديدةً كي تتواصل المسيرة، كما كان يقول، فإنه قام بتمثيلية سمجة للبقاء رئيسا بعد انتهاء ولايته الحالية العام القادم، وهو للتذكير بات سيد القصر عبر انقلاب عسكري سماه حينها ثورة الإنقاذ، أي أنه وصل الحكم على ظهر دبابة، لكنه راغب بالمواصلة عبر تمثيلية صندوق الاقتراع المعروفة نتائجه سلفاً، لأن كل أحزاب المعارضة ترفض المشاركة في مهزلة الانتخابات، التي بدأت بمسرحية مجلس شورى حزب البشير الحاكم، حيث جرى اقتراع سري لاختيار المرشح للرئاسة، من بين خمسة لا يملك غيره حظ الفوز فيه، ولكنه شكلياً تعبير عن الديمقراطية وحرية الاختيار.
لم يتعظ البشير ولم يتعلم الدرس، وهو يتابع سقوط الحكام الدكتاتوريين من أمثاله على يد شعوبهم التي ثارت وأطاحتهم، بعد بطشهم وظنهم أنهم مخلدون, أغمض عينيه عن المشهد السوداني الدموي المثقل بالمشاكل، وتلتهب فيه الحرائق واهتراء نسيجه الاجتماعي، وهو لا يبالي بانهيار الحوار الوطني، بعد أن رفضته أطياف المعارضة، باعتباره مناورة لشراء الوقت وترحيلاً للأزمات، واستمراراً لنهج الاستئثار والإقصاء الذي كرّسه طوال فترة حكمه، الذي حاول خلاله أسلمة السودان، بمن فيه أبناء الجنوب، ما قاد في آخر الأمر للانفصال، وكأنه في برج عاجي بحيث لا يرى ما جنته سياساته من إفقار مواطنيه، وتفشي البطالة المترافق مع ارتفاع الأسعار، ناهيك عن تردي علاقات الخرطوم مع دول الجوار، والاكتفاء بعقد تحالفات مع الحركات الأصولية العربية، في حين كان البعض يظن أن التغييرات في أعلى هرم السلطة، والإتيان بجنرال في الجيش إلى القصر الرئاسي ليخلفه، بهدف الاطمئنان إلى أن الرئيس الجديد لن يتخلى عنه، ولن يسارع إلى تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، أو يتم تقديمه للمحاكمة في الخرطوم، على ما اقترفت يداه بحق البلاد والعباد.
يُقال إن السرية التي فرضها حزب البشير على اجتماعات مجالسه القيادية، ووصفها بأنها تمارين ديمقراطية، تؤشر في الواقع إلى وجود خلافات عميقة، بين من ينادون بتغيير القيادة ومن يتمسكون بها، ورأى فيها البعض مؤشراً لما يمكن أن يحصل في المرحلة المقبلة من عمر الحزب الذي عانى كثيرا من الانشقاقات، كأغلب الأحزاب السياسية السودانية، وكان مُنتظرا منه طرح قيادات شبابية تقدم أفكاراً جديدة ومختلفة، بدل طرح أسماء لم يتوقع أحد عودة أي منهم إلى المسرح السياسي، ما يؤكد اتساع الفجوة بين الحزب والشعب، والتباين بين مكونات الحزب المختلفة، خاصة مع ظهور تيارات شبابية، ظلت تنادي بالتجديد في هيكل القيادة بكامله.
هل ثمة من تداهمه المفاجأة جراء تراجع البشير عن وعوده بعدم الترشح مجددا والاكتفاء بربع قرن، لا نظن ذلك، لأن الرجل كان بذل العديد من الوعود المشابهة، لكنه تراجع عنها دون أن يرف له جفن، وهل هناك من سيتفاجأ حال إعلان فوز البشير؟، أيضاً لا نظن، فالجميع يعرف سمة الانتخابات عند أمثاله، ويتذكر نسب التسعات في الفوز، وهي نسبة كسرها صدام حسين، حين أعلن نائبه فوزه بنسبة 100% من أصوات الناخبين، لكن المؤكد أنه سيكون فوزاً بطعم الهزيمة، وأنه سيظل عرضة لإطاحته وتسليمه للعدالة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram