TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تونس.. أول الديمقراطية

تونس.. أول الديمقراطية

نشر في: 26 أكتوبر, 2014: 09:01 م

قبل معرفة نتائج أول انتخابات ديمقراطية جرت أمس في تونس مدشنة رسمياً وفعلياً العهد الجديد، يصح القول إنها جرت وسط انقسام حاد أخذ صفة الثنائية بين حركة النهضة الإخوانية وبين نداء تونس العلمانية، وهي أتت بعد أربعة أعوام من الحكم الانتقالي، جرى خلالها التوافق على دستور جديد، يعطي الحزب أو الائتلاف الفائز بأغلبية برلمانية حق تشكيل الحكومة، ويترك لرئيس الجمهورية حرية اختيار شخص رئيس الوزراء إن لم تكن هناك جهة تملك الأغلبية، وهذا النص الدستوري سيشكل معضلة في ظل الواقع الراهن، حيث التنافس على أشده بين الإسلام السياسي ممثلا بحزب النهضة، والعلماني الذي يضم بعض أقطاب النظام السابق، وبين القطبين تتنافس قوى المعارضة التقليدية، التي ساهمت جذرياً في إطاحة بن علي، لكنها لم تتفق على برنامج يؤهلها لوضع بصمتها على هذه المرحلة لأنها لم تعتبر بنتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، ولم تعي تماماً حساسية المرحلة، ما يبقيها على الهامش، وإن اعتقد كل زعيم حزب فيها أنه الأحق بقيادة البلاد.
يبدو أن التوافقات الوطنية ستكون عنوان المرحلة المقبلة، بشّر بذلك زعيم النهضة الإخواني راشد الغنوشي، فأعلن أن هدف حركته تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة، وأنه لا مانع لديه من مشاركة رموز من النظام السابق، ما يدل على براغماتية سياسية كانت سمة حركته خلال الأعوام الثلاثة الماضية، كانت نتيجتها إرباك خصومها فعلياً، وتوسيع قاعدتها الشعبية، إضافة إلى أن الدستور الجديد يلحظ العلاقة بين الرئاسة والحكومة والبرلمان، ويحدد صلاحيات كل منها، في خطوة ابتعدت بالبلاد عن النظام السياسي الرئاسي الذي ظل سائداً منذ الاستقلال، وسمح لبورقيبه وبن علي من بعده بالتفرد بالحكم، وتحويله إلى شبه دكتاتوري، وإن حافظ على مظاهر من قشور الديمقراطية.
انتقلت تونس أمس من الاستبداد للديموقراطية، لكن ذلك لايعني الخروج من المرحلة الانتقالية بكل تجاذباتها السياسية، ومعارك اختبار القوة بين أطياف الحركة السياسية، عبر صناديق الاقتراع، لكن المهم أن الدولة التي فجرت "الربيع العربي"، فتحول إلى خريف حيثما حل، استطاعت العبور إلى مرحلة الديمقراطية، رغم أنها تقع بين ناري أسلمتها والإرهاب، وهنا يحضر الدور القطري المشبوه حيث تدعم الدوحة "نهضة الغنوشي" مثلما تدعم قوى الإرهاب المنتشرة في ليبيا المجاورة، وتسعى إلى خطف التجربة التونسية، دون التعلم من التجربة المصرية التي فشلت بجدارة ، ويقود ذلك كله إلى بروز أهمية ومركزية انتخابات أمس، ذلك أنها تؤكد سلمية التوجه إلى النظم الديمقراطية، في عالم عربي تسعى قواه الرجعية لوأد أي تجربة ديمقراطية، نتمنى أن تكون تونس عنوانها.
تعثرت التجربة التونسية، حتى أن البعض تحسّر على أيام بن علي، وأعلن رفضه للديمقراطية القادمة بكل فوضى المرحلة الانتقالية، وهي لم تسلم من تدخلات من يرون في الربيع العربي فتنة ستصل إلى قصورهم، غير أن نجاحها اليوم يؤكد أن ما شهدته قبل أربعة أعوام كان قدراً لا مفر منه ولم يكن حدثاً عارضاً يرتبط بانتحار شاب حرقاً أمام أعين الناس مثلما يؤكد أن الاحتكام للديموقراطية هو الواقي من الوقوع في فتنة الاستقطاب والكراهية، وصولاً إلى حرب أهلية تستعر اليوم في سوريا واليمن، غير أن الأكثر أهمية ان تظل نتائج الانتخابات محترمة من الأطراف كافة، وأن تؤمن هذه الأطراف بالتداول السلمي للسلطة، والاحتكام لصناديق الاقتراع النزيهة، ورفض الانجرار وراء حركات الإرهاب الإسلاموي المستبد، بغض النظر عن مسمياتها وعناوينها، وأن يهتف جميع التوانسة بنشيدهم الوطني "نموت نموت ويحيا الوطن"

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram