TOP

جريدة المدى > عام > تولستوي بقلم غوركي

تولستوي بقلم غوركي

نشر في: 27 أكتوبر, 2014: 09:01 م

ولد الكاتب الروسي المعروف مكسيم غوركي عام 1868  , بينما ولد تولستوي عام 1828 , وكما هو واضح فان الفرق في السن بينهما كبير جدا, ولكن رغم ذلك فانهما تعارفا والتقيا في نهاية القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين , وقد كتب غوركي مقالة طويلة عن تو

ولد الكاتب الروسي المعروف مكسيم غوركي عام 1868  , بينما ولد تولستوي عام 1828 , وكما هو واضح فان الفرق في السن بينهما كبير جدا, ولكن رغم ذلك فانهما تعارفا والتقيا في نهاية القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين , وقد كتب غوركي مقالة طويلة عن تولستوي تم نشرها لأول مرة عام 1919 ( أي بعد تسع سنوات من وفاة تولستوي ) في كتيب خاص وبمقدمة توضيحية صغيرة كتبها غوركي نفسه وأشار فيها الى انه كتب هذه الملاحظات على أوراق مبعثـرة وانها قد ضاعت منه إلا انه وجد بعضها وقرر نشرها مع رسالته غير المكتملة الى كورولينكو.
وأعيد نشر نص هذا الكتيب في المجلد الرابع عشر من مجموعة المؤلفات لغوركي والذي صدر عام 1951 , وتم نشره ايضا في كتاب – تولستوي في ذكريات معاصريه , والذي سبق لي ان كتبت عنه ( انظر مقالتنا بعنوان – تولستوي في ذكريات معاصريه) , وتقع مقالة غوركي في هذا الكتاب الصادر عام 1955 في موسكو بـ ( 46 ) صفحة من القطع المتوسط وتتضمن قسمين , القسم الأول يحتوي على (44 ) فقرة منفصلة عن بعضها البعض حول أفكار تولستوي وأقواله له في لقاءات مختلفة وعديدة وذكرياته عنه والتي كتبها غوركي – بالأساس - في عامي 1901 و 1902 عندما كان في إيطاليا للعلاج و حيث كان تولستوي هناك أيضا ولنفس الغرض , وقد أشار تولستوي نفسه في يومياته في تلك الفترة الى زيارات غوركي العديدة له هناك , اما القسم الثاني فيحتوي على مسودة رسالة مطولة كتبها غوركي الى كورولينكو ( لكنه لم يستطع ان يرسلها له لاحقا ) حول هروب تولستوي من بيته في ياسنايا بوليانا , ثم وفاته في احدى محطات القطار كما هو معروف . لقد ذكرت في مقالتي التي أشرت اليها أعلاه الى انه من غير الممكن تلخيص ما كتبه غوركي عن تولستوي في مقالته المذكورة , وان الاطلاع على تلك المقالة المهمة والعميقة والمتعددة الجوانب يقتضي ترجمتها كاملة الى العربية , وذلك لان غوركي استخدم أسلوب كتابة فقرات منفصلة عن تولستوي ومواقفه الحياتية وأفكاره الأدبية والفلسفية , وكان ينتقل من موقف الى آخر بحرية واسعة ومطلقة ودون ان يضطر لربط تلك الأفكار وذلك بوضع نقطة بعد كل فقرة , ثم ينتقل الى فقرة أخرى ويضع لها رقما جديدا , وهكذا وصل الى الرقم ( 44 ) , ولهذا لا يمكن تلخيص كل تلك الفقرات في اطار هذه المقالة , ولكني سأحاول في هذه السطور الوجيزة ان أتوقف عند مضامين بعض تلك الفقرات ليس إلا او مقاطع منها , كي ارسم للقارئ صورة عامة ومتكاملة قدر المستطاع لهذه الملاحظات الرشيقة والذكية و العميقة التي كتبها غوركي عن تولستوي . 
في الفقرة رقم 1 نجد الجملة الآتية – ( اكثر فكرة تحز في قلبه هي الفكرة عن الرب ...انه يتكلم عن ذلك أقل مما يريد ولكنه يفكر حولها دائما )// في الفقرة رقم 2 نقرأ جملة أخرى تختلف تماما – ( عنده يدان مدهشتان – ليستا جميلتين من جراء توسّع الشرايين ومع ذلك فانهما يعبران عن قوة إبداعية ..مثل تلك اليدين كانتا عند ليوناردو دافنشي..بتلك اليدين يمكن عمل كل شيء..)// في الفقرة رقم 3 يتحدث غوركي عن مفهوم الحرية عند تولستوي , ويسجل نص كلماته – ( الطيور حرة ولكنها مع ذلك تبني أعشاشها ... المسيح كان حرا وبوذا ايضا , وكلاهما أخذا على عاتقهما ذنوب العالم واصبحا أسيرين – وطواعية – للحياة الدنيا.. أما نحن فإننا نبحث عن الحرية من الواجبات أمام الآخرين ..) // في الفقرة رقم 5 يتناول موقف المثقف منذ القرن الثاني عشر في روسيا , والذي كان يؤكد بعدم وجود المعجزات من وجهة نظر تولستوي , وان هذا هو موقف المثقفين عبر كل القرون التي مرّت بعد ذلك , ولكن تولستوي ينهي هذا الحديث قائلا – ( ومع هذا فان الشعب كله يؤمن بالمعجزات لحد الآن كما كان يؤمن بها منذ القرن الثاني عشر..) // في الفقرة رقم 6 يتحدث غوركي عن رأي تولستوي حول حكايات اندرسن وكيف انه لم يفهمها في البداية , ولكنه عندما أعاد القراءة بعد عشر سنوات وصل الى قناعة تامة مفادها ان اندرسن كان – ( وحيدا جدا جدا , و لهذا بالذات توجّه للأطفال , و كأن الأطفال يمكن ان يواسوا الإنسان اكثر من الكبار. الأطفال لا يواسون , انهم لا يستطيعون ان يواسوا ) // في الفقرة رقم 7 يقول غوركي ان تولستوي نصحه ان يقرأ تعاليم البوذية , ولكنه أشار الى ان تولستوي لم يكن يتحدث عن بوذا او المسيح بحماس متأجج كبير ولم تكن في كلماته – ( تلك الشرارة النابعة من نيران القلب ) // في الفقرة رقم 8 يكتب غوركي رأي تولستوي حول المؤرخين الروس المشهورين – (كارمزين كان يكتب للقيصر , سالوفيوف – بشكل مطوّل وممل , اما كليوتشيفسكي المخاتل , فانه كان يكتب للتسلية , وعندما تقرأ – كأنما يمدح , ولكن عندما تتعمق بالقراءة فانه كان يقدح . ) // في الفقرة رقم 11 ذكر لنا غوركي رأي تولستوي بالرومانسية – ( الرومانسية – هي الخوف من النظر في عيون الحقيقة ) , وعندها اعترض احدهم على ذلك وقرأ له قصيدة , قال له تولستوي انها ليست قصيدة وإنما – ( نسيج كلمات بلا معنى ) , وعندما اشتد النقاش , ابتسم تولستوي وقال له – ( انك اليوم متقلب الأهواء مثل فتاة حان وقت زواجها ولكن لا يوجد لديها عريس ) // في الفقرة رقم 13 يقول غوركي , لو ان تولستوي كان سمكة فانه كان سيسبح فقط في المحيطات , وانه لن يسبح أبدا وسط البحار او في مياه الأنهار// في الفقرة رقم 24 يكتب غوركي نص كلمات تولستوي وكما يأتي – ( المرأة اكثر إخلاصا بجسدها من الرجل , أما الأفكار عندها فكاذبة , لكن عندما تكذب فإنها لا تصدق نفسها , أما روسو فانه كان يكذب ويصدق نفسه ) // في الفقرة رقم 27 يتحدث غوركي عن تلك الأسئلة الصعبة والحرجة التي كان تولستوي غالبا ما يحب طرحها ويعطي لنا أمثلة منها –
- هل تحب زوجتك ؟
- ماذا تفكر أنت حول نفسك ؟
- هل تظن ان ابني عبقري ؟
ما رأيك بزوجتي صوفيا اندرييفنا ؟
ويضيف غوركي قائلا , انه من غير الممكن ان تكذب أمام تولستوي , ويختتم هذا المقطع بسؤال طرحه عليه تولستوي مرة وهو – 
هل تحبني يا اليكسي ماكسيموفيتش ؟ // 
من الممكن ان نذكر هنا طبعا الكثير من تلك الجمل و الاستمرار بهذه المقاطع المختلفة والمتنوعة من مقالة غوركي عن تولستوي , ولكني أظن أن طبيعة مقالتنا لا تسمح بذلك , ومع هذا يمكن لنا ان نقول – وبكل ثقة - أن تلك المقاطع التي ذكرناها هنا كافية جدا لإثبات طرافة ورشاقة تلك المقالة وروحيتها الابتكارية وعمقها الأصيل وغرابة أسلوبها , وان مكسيم غوركي قد استطاع فعلا ان يرسم صورة قلمية في غاية الجمال لتولستوي , الذي كانوا يطلقون عليه تسمية – كاتب الأرض الروسية العظيم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Ayham hamoud

    السلام عليكم لو سمت عندي لوحة مرسومة للروائي ليو تولستوي وهي قديمة جداً لكن لا اعلم من القام برسم هذة اللوحة ... هل يمكنك مساعدتي ؟؟ مشكور سلف

يحدث الآن

جلسة "القوانين الجدلية" تحت مطرقة الاتحادية.. نواب "غاضبون": لم يكن هناك تصويت!

القانونية النيابية تكشف عن الفئات غير مشمولة بتعديل قانون العفو العام

نيمار يطلب الرحيل عن الهلال السعودي

إنهاء تكليف رئيس هيئة الكمارك (وثيقة)

الخنجر: سنعيد نازحي جرف الصخر والعوجة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram