لم تعد الطائفية، عار السياسيين العراقيين حسب، بل هي، وإذ تمكنت نارها من التهام روح العراق وجوهر آدميته، صارت عنوان كل ابتذال وقتل وانحطاط أخلاقي وفكري، حتى في المجال الثقافي، حدّ ان السبب "الموضوعي" في اطلاق تسمية الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة، ع
لم تعد الطائفية، عار السياسيين العراقيين حسب، بل هي، وإذ تمكنت نارها من التهام روح العراق وجوهر آدميته، صارت عنوان كل ابتذال وقتل وانحطاط أخلاقي وفكري، حتى في المجال الثقافي، حدّ ان السبب "الموضوعي" في اطلاق تسمية الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة، على دورة "المربد" الأخيرة، هو كونها من "المكون الصابئي المندائي"، والتسمية هنا "تأكيد على التنوع الديني والثقافي في العراق".
مخجل هذا حقا، ان يتم استبعاد مبررات موضوعية حقيقية، تقدم معنى الاحتفاء بصاحبة قصيدة "لو انبأني العرّاف" لينتهي الأمر الى أنها "مندائية"، فضلا ان الشاعرة التالية لجيل الحداثة الريادي، لم تقدم شخصيتها ولا سيرتها الأدبية والفكرية، على أساس أنها من مرجع ديني "مندائي"، بل هي الغارقة حد "التطرف" بهويتها العراقية، وجوهرها الإنساني.
لا أدري ما الذي دفع رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، الأستاذ فاضل ثامر، في كلمة له خلال حفل افتتاح "المربد" إن المهرجان وبدورته الحالية "حمل اسم الشاعرة العراقية الكبيرة لميعة عباس عمارة التي تنتمي الى الديانة المندائية، وبالتالي فإن المهرجان هو احتفاء بالتنوع الثقافي في العراق"، متناسيا ان الشاعرة حفرت اسمها وموقعها اعتمادا على نبع عراقيتها الصافي، وهويتها المدنية الحديثة، وحققت حضورها، منذ عقود طويلة سبقت موسم الرثاثة العراقية الحالي .
هذا مثير ليس للرفض وحسب، بل يدفع الى الإدانة، حين يتولى رئيس أدباء العراق وكتّابه، تقديم زملائه استنادا لهويتهم الطائفية والدينية، وهو القادم من مرجعيات فكرية ترفض أي توصيف للبشر، وليس للمثقفين وحسب، وفقا لهوياتهم الدينية والقومية. ان تصريح الناقد والمثقف الكبير فاضل ثامر، وأتمنى ان يكون مفتقرا للدقة، يؤسس الطائفية والانقسام الديني والعرقي كمنهج رسمي من اعلى مؤسسة ثقافية عراقية، ومعها كان سيكون صحيحا، الاحتفاء بالشاعر البريكان لأنه من "المكون السنّي"، وهو "احتفاء بالتنوع الثقافي في العراق"، مثلما سيكون الجواهري مختزلا في "شيعيته" ولتذهب أدراج الرياح "ام بساتينه"، وشيركو بيكه س في "كرديته"، وقد يعود اتحاد الأدباء عن موقفه بحق الشاعر الراحل يوسف الصائغ، ويحتفي به ولكن لكونه من "المكون المسيحي".
هذا مثير لليأس حقا، طالما ان لا موقع للرفض في "العراق الجديد"، مثلما لا سامع لإدانة تشبه صوتا في البرية، ان يتم انتزاع الجوهر الانساني والوطني والمدني من النتاج الثقافي العراقي، ودمغه بأكثر أشكال العنصرية دموية وهمجية: الطائفية.