رغم انشغال أجهزة الإعلام بتطورات الوضع العسكري في شمال سوريا، فإن دمشق تستشعر الخطر القادم من جنوبها، حيث تتقدم قوات المعارضة ببطء ولكن بثبات، محرزة "انتصارات" لا يُستهان بها، على امتداد منطقة تمتد من حوران حتى جنوب لبنان مروراً بالقنيطرة، وتسعى لبناء خطوط إمداد باتجاه العاصمة، خاصة ريفها الغربي المحاصر من قوات المعارضة، ما يشكل خطراً حقيقياً على سلطة النظام في عاصمته، التي باتت رمزاً لقوته وقدرته على الصمود، بعد سيطرة المعارضة وإن بشكل جزئي على محافظتي درعا والقنيطرة، وإمكانية حدوث تحول في موقف السويداء نتيجة تغير ميزان القوى، وهي منطقة شاسعة تمتد فيها خطوط الاتصال مع الأردن وعبره إلى دول الخليج، وكانت بمثابة خزان عسكري، باعتبارها منطقة مواجهة أمامية مع إسرائيل، صحيح أن هذا الواقع أخّر تقدم المعارضة سابقاً، لصعوبة السيطرة على هذه الجغرافيا السهلية، بإمكانات بسيطة تواجه قوة عسكرية ضخمة، غير أنه يبدو اليوم أنها تجاوزت هذه العقدة وباتت تهدد العاصمة.
بالتزامن مع التطورات المتسارعة للوضع العسكري في سوريا، نتيجة التدخل الدولي الذي ما زال محدوداً، إلا أنه مرشح للتوسع إلى حد إرسال قوات على الأرض، وعدم الاكتفاء بالغارات الجوية، تمكنت قوات المعارضة من شل حركة ما يقدر بثلث القوات النظامية، التي كانت تنتشر في جنوب البلاد، وتبني عدة أطواق في الطريق إلى دمشق، فككتها المعارضة طوقاً بعد الآخر، رغم انكشاف المنطقة أمام الطيران العسكري الذي لم يقصر في استهداف أي تحرك مشبوه، وواجهته بتحركات محترفة لتفادي قوة نيرانه، فيما خلت المنطقة تقريباً من القوات البرية، التي تتعرض للإنهاك، حتى أن بعض المواقع سقطت دون أن يتمكن النظام من نجدتها، ما يؤشر إلى "نجاح" خطط المعارضة بالتقدم ببطء، والاستيلاء على المناطق واحدة بعد الأخرى.
في حال استمرار هذا الوضع، يمكن القول إن دمشق ستتعرض لحصار مرير، وستكون عُرضة لمحاولات الوصول إلى وسطها، طبيعي أن النظام ليس غافلاً عن الخطر القادم من الجنوب، خصوصاً مع إعلان السعودية استعدادها لتدريب "المعارضة المعتدلة"، وهي على اتصال مع هذه المنطقة عبر الأردن، المُرشح للعب هذا الدور وإن سراً، وخصوصاً أيضاً ما يُقال عن تعاون بين قوات المعارضة وإسرائيل، التي تقدم لهم دعماً يساعدهم على التقدم والنجاح، وهناك من يتحدث عن سقوط مواقع بيد المعارضة بعون إسرائيلي مؤكد، وبينما يتهم البعض النظام بحماية الحدود مع إسرائيل، فإن الثابت أن الدولة العبرية تشعر بالغبطة لنتائج القتال المستعر في بلاد الشام، بغض النظر عن المنتصر، ويبدو أن خطر الجبهة الجنوبية بات الأكثر إلحاحا، لملامستها جغرافيا العاصمة، وتماسك قوات المعارضة التي تُدار من غرفة عمليات واحدة مشتركة، وتسعى للتواصل مع حلفائها عند تخوم دمشق، لتطويقها وإسقاطها.
سيشكل الخطر القادم من الجنوب علامة متميزة في الحدث السوري، يتجاوز تفاعلات معركة كوباني، ويقلب موازين القوة التي مالت لمصلحة النظام في أكثر من موقع وعلى أكثر من صعيد، وربما يكون الأجدى إعادة خلط الأوراق مجدداً، لمنع السعودية ومن معها، من المضي في المخططات غير البعيدة عن أهداف التحالف الدولي، وإن كانت طائراته تلعب في ملعب بعيد، ومنع الدولة العبرية من الانغماس في المستنقع السوري ورماله المتحركة، وسيكون على إيران العمل بجدية أكبر لحماية حلفائها في دمشق وضاحية بيروت الجنوبية، وعندها فقط سيكون ممكناً القول بزوال الخطر القادم من الجنوب.
الخطر القادم من الجنوب
[post-views]
نشر في: 27 أكتوبر, 2014: 09:01 م