التركيز الإعلامي في أوروبا على المدينة المحاصرة عند الحدود التركية السورية من قبل إرهابييّ داعش: كوباني ، يمتلك سمات فظيعة. لأنه إذا كان الأمر يتعلق فقط بالمقاتلات والمقاتلين الأكراد، أعني بكل أولئك الذين مازالوا مصرين على المقاومة في المدينة، فإن من الممكن القيام بعملية إخلاء سهلة نسبية للمدينة، لأن الجهة الشمالية القريبة من الحدود التركية، ما تزال مفتوحة (رغم الحدود الملغمة من قبل حكومة أنقرة)، وبإمكانهم الانسحاب بتغطية من سلاح الجو الأميركي أو غيره. المشكلة أنه في حالة الانسحاب، سيرى الأكراد المدافعون عن المدينة حلمهم بتحقيق هدفهم للعيش في إقليم كردي ذاتي في سوريا وقد تلاشى في حالة سقوطها في أيدي الجهاديين القدماء الجدد. من الناحية الأخرى في حالة نجاح ميليشيات داعش برفع راياتهم السود على سطوح المدينة التي أطلقوا عليها سلفاً "عين الإسلام، (العرب يسمونها "عين العرب")، فإن ذلك سيحقق في نهاية الأمر نجاحاً دعائياً كبيراً لدولة إسلام القرون الوسطى. بهذا الشكل لا يبالغ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عندما أطلق على مدينة كوباني "مدينة الشهداء"، بصفتها مدينة رمز، رغم ما حوى كلامه وتأسفه من نفاق، لأنه هو الآخر يرى المدينة تقاتل لوحدها ولا يفعل شيئاً، كأنه يعيد الزمن إلى الوراء، عندما وقفت فرنسا (أيضاً الاشتراكية آنذاك) متفرجة على اجتياح القوات الفاشية لغيرنيكا وغيرها من المدن في إسبانيا!
بالتوازي مع التركيز الإعلامي على كوباني، يعمل الجهاديون القدماء الجدد القادمون من العصر الحجري وفي ظلال القتال حول المدينة الكردية على فرض حقائق على أرض الواقع، حقائق هي أكثر فظاعة في المحصلة. فمن يتابع الأخبار سيرى كيف أن مصير أغلبية الطائفة اليزيدية، التي كان على أفرادها الهروب بشكل جماعي بسبب زحف ميلشيات داعش قبل أكثر من شهر إلى مرتفعات سنجار في شمال العراق، انزاح من مانشيتات الأخبار. لم يعد أحد يتحدث عن مصير الناس المذعورين هؤلاء، ولا عن سباياهم من النساء. وها هي داعش التي تعترف الآن وبصراحة وحشية، كيف تصرفت مع كل أولئك الذين وقعوا أسرى بين أيديها من رجال ونساء، من شيوخ وشباب وأطفال. ولا يخفي الإسلاميون القدماء الجدد ما يرتكبونه من ممارسات بحق الناس قادمة من العصور الحجرية، في نشراتها الدعائية تعلن داعش على الانترنيت وبصراحة عن نواياها الشريرة، كيف أنها وضعت برنامجاً مفصلاً لإبادة ثقافة ودين هؤلاء، إذ تقوم بعملية إبادة جماعية للشيوخ والشباب من الرجال، وإذا لا يباد هؤلاء فإنهم يُجبرون على اعتناق إسلام قادم من العصر الحجري كما هو في عرف داعش. أما النساء والفتيات الصغيرات فيتم سبيهن بالمقابل بصفتهن "غنائم حرب" ويتم بيعهن على مقاتلي داعش، أما يتزوجوهن بالإجبار أو يستعبدوهن كمحضيات على طريقة العصور ما قبل الحجرية. بنفس الطريقة يتعامل الدواعش مع أتباع طوائف دينية أخرى، كما هي الحال مع الشيعة التركمان والشبك والمسيحيين، فما يحدث لهؤلاء ليس أفضل.
الأمم المتحدة التي تراقب سلوك ميلشيات داعش وتسجله، تنظر له بصفته جريمة، بعض السياسيين الأوروبيين ومنهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل والفرنسي فرانسواز هولاند تحدثوا عن إبادة جماعية تحدث على أيدي ميليشيات داعش. بل حتى الرئيس الأميركي باراك أوباما تحدث بأمر مشابه. وذلك ما جعله يدعو لتأسيس تحالف دولي ضد داعش، أمر نجح فيه حقيقة، فاليوم حتى أولئك الذين صنفتهم الولايات المتحدة الأميركية في خانة أعدائها، يملكون المصلحة بإيقاف داعش. روسيا وإيران على سبيل المثال.
من الناحية الأخرى، لا تهم قوة وكبر التحالف هذا، فإن تأثيره سيظل محدوداً. لأن عن طريق قنابل تُرمى من الجو لن يحالف التحالف هذا النجاح. لا أحد كما يبدو على استعداد لإرسال قوات برية خاصة به أو إرسال قوات من القبعات الزرقاء. لا أحد يريد التورط بشكل مباشر في الحرب مع داعش! وطالما بقي الأمر على هذا الشكل، فإن جهاديي داعش سيواصلون جرائم إبادة الناس في المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم وبدون إزعاج. وهم لا يخفون ذلك، بل يصرحون به ليل نهار. هذا يعني وذلك هو الأمر الجديد: إبادة شعوب مع الإعلان عن ذلك!
إبادة شعوب مع الإعلان عن ذلك
[post-views]
نشر في: 28 أكتوبر, 2014: 09:01 م