TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مَنْ يُمسك بالفاسدين؟

مَنْ يُمسك بالفاسدين؟

نشر في: 28 أكتوبر, 2014: 09:01 م

عدا عن الكلام الكثير، المعاد والمكرر الذي سمعناه في فعاليات أسبوع النزاهة الأخير، عن أهمية وجدوى وضرورة ولزوم ووجوب مكافحة الفساد المالي والإداري الذي يعصف بأركان دولتنا على نحو جنوني، وملاحقة الفاسدين والمفسدين والكشف عنهم وتقديمهم الى العدالة، لفت الانتباه ان وزيري الدفاع والداخلية الجديدين قد أعطيا حيّزاً معتبراً لهذه القضية في كلمتيهما عند تسنمهما منصبيهما، بل إنهما تعهّدا على نحو قاطع بتحقيق ذلك وبفتح ملفات الفساد السابق في وزارتيهما.
هذا حسن .. حسن للغاية، فالفساد في هاتين الوزارتين هو أبو الفساد وأمه في دولتنا.. فساد الوزارتين كان ثمنه باهظاً للغاية، أقله أهميةً المليارات المنهوبة من المال العام، فثمة مئات الآلاف من الأرواح البريئة قد أزهقها هذا الفساد على مدى عشر سنوات، وأكثر عدداً منها حالات الإصابة بالجروح والإعاقات، فضلاً عن تلف عشرات الآلاف من الممتلكات التي لا تقدّر قيمتها بثمن، إضافة الى ان العديد من فاسدي هاتين الوزارتين بالذات يوفّرون الحماية والملاذ للكثير من فَسَدة الوزارات والمؤسسات الأخرى.
تعهد الوزيرين الجديدين أمر جيد، بيد ان الأجود منه أن نرى منهما فعلاً على الأرض.. الناس ثقتهم ضعيفة بالدولة لأسباب عدة يقف الفساد في مقدمها، وتدني الثقة هذا هو بوزارتي الدفاع والداخلية أكثر من غيرهما لأنهما يقصّران تقصيراً فاضحاً وفادحاً في ضمان أمن الوطن والمواطن.. والتحدي الحقيقي للوزارتين ووزيريهما الجديدين وللحكومة الجديدة برمتها ولرئيسها أن نرى انطلاقة جادة في ما تعهد به الوزيران.
خطوة من هذا النوع مهمة لاستعادة الثقة بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وهذه الاستعادة ضرورية وواجبة ولازمة لردّ عدوان داعش الإرهابي وتحقيق الظفر في الحرب القائمة ضده.
الفساد المالي والإداري في هاتين الوزارتين وسائر مؤسسات الدولة له ألف شكل وشكل وألف صيغة وصيغة، وهو لا يقتصر على دوائر دون أخرى أو وزارات دون غيرها أو على الوزارات دون المؤسسات الأخرى، بما فيها الهيئات الموصوفة بأنها "مستقلة"، وهي ليست كذلك في الواقع.
نعم حتى هذه الهيئات ملوّثة بالفساد بأعلى المستويات. وإليكم مثالاً واحداً، هو أحدث ما وصلتني معلومات عنه منذ أيام.. عضو مجلس ورئيس دائرة مهمة في إحدى أهم الهيئات "المستقلة" التي يتصل عملها بمصير البلاد ومستقبلها وعملية التحول الديمقراطي فيها، مارس ضغوطاً هائلة على عمادة إحدى الكليات الجامعية لتنجيح أخ له ومنحه شهادة البكالوريوس.. ليس هذا فقط، فهو يريد أن يؤرخ التخريج بتاريخ سابق!!! لماذا؟ لأن هذا العضو المؤتمن على مصير البلاد ومستقبلها الديمقراطي كان قد عيّن أخيه الذي يصفه أساتذته بانه بليد ومحدود القدرات، بوظيفة في هيئته "المستقلة" من متطلباتها نيل شهادة البكالوريوس!.. عمادة الكلية في سبيلها لتحقيق ما يريد القيادي في الهيئة "المستقلة"، لأنها وقعت ليس فقط تحت ضغوطه المباشرة المتواصلة، وانما أيضاً تحت ضغوط مسؤولين كبار في الدولة محازبين له.
أي كلام في مكافحة الفساد، وأي تعهد بملاحقة الفاسدين من أي كان، لا قيمة له ما لم تكن المكافحة تامة وشاملة، لا تهمل وزارة أو مؤسسة أو هيئة "مستقلة" ولا تستثني أحداً مهما كان، حتى لو كان قريبه أو محازبه نائباً لرئيس الجمهورية مثلاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. عادل زينل

    نحن شريحة واسعة من القراء في الخارج لانعرف في أحيان كثيرة عن من يتحدث هذا الكاتب او ذاك مثل ما مطروح في مقال الأستاذ عدنان حسين , نرجو إيجاد طريقة لطرح الأسماء حتى لو كانت واضحة جدآ بالنسبة اليكم او لكثيرين في العراق و لتسهيل المهمة ايضآ حول ادانة هؤلاء

  2. امير عبد علي

    الفساد الاداري هو ام البلاء لأي بلد منها تولد قنوات التردي والتخلف والتراجع عن كل طموحات المتعلقة ويشكل المحاصصة احدى روافدها . ونحن في حربنا مع داعش وفي عمليات البناء وفي رسم ستراتيجيتنا التنموية نفقر الى الحس الوطني والى الوطن بالذات فألفساد الاداري شل

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram