ابتسام عبد الله1-انتبه سعيد وهو يحتسي شاي الصباح الى ورقة صغيرة على منضدة المطبخ وقرأ فيها "لاتنس الحلوى" تذكر ان زوجته سارة أوصته ليلة امس بشراء نوع تفضله منها، ابتسم ودس الورقة في جيبه، وهو يتذكر ميلها في هذه الايام نحو الحلوى والشيكولاته بشكل خاص ،
وقد يكون ذلك كونها في الشهر الثاني من حملها. غادر سعيد الدار في السابعة والرابع من صباح الثلاثاء، انه يفضل الخروج مبكراً كي يصل الى مكان عمله في الموعد المحدد، لانه حريص على مواعيد العمل بالذات، وفي طريقه لم يجد زحاماً شديداً في بادئ الامر، قال لنفسه ، ان السماء تبدو رمادية مع وجود خط احمر برتقالي في أعاليها، وقد يكون هذا الامر سبباً في عزوف الناس عن الخروج خشية المطر. لكن سعيد مع اقترابه من مركز المدينة ، وجد الزحام يشتد وبدأت افكاره تبتعد عن الغيوم والمطر ولعبتهما مع الشمس لترتكز على الطريق حتى وصل الى مكان عمله، ترجل من سيارته ، توجه نحو مدخل المبنى، وقبل دخوله احس ان قطرات صغيرة من المطر بدأت تتساقط بخفة ، استقبلها بفرح ، وولج الى الداخل وراحة غير اعتيادية تغمره. ومضت الساعتان الاوليان من العمل، وتذكر سعيد سارة والورقة الصغيرة ، ابتسم مرة اخرى، قام من مكانه متوجهاً نحو النافذة ليتأكد من ان محل الحلويات المقابل له، قد فتح ابوابه ، اذ يكون مغلقاً في بعض الايام، كانت النافذة مغطاة بقطرات المطر، مد اصابعه اليها ومسح بعضها، رأى المحل مفتوحاً ، تأمل الشارع برهة قبل ان يعود وهو يقول، حقاً انا محظوظ(.......) ولم يكمل كلامه، اذ دوى صوت انفجار قوي، سقط سعيد على الارض واختفى جسده في دقائق تحت الركام. 2- كان سعد قد وعد ابنته الصغيرة هنا، ان يأخذها ذات يوم الى حديقة الزوراء، وفي يوم الثلاثاء ، قال لزوجته، ان عليه تسليم بعض الوثائق الخاصة بالمحل الذي اشتراه اخيراً وأن الامر لن يستغرق غير دقائق لتسليمها الى شخص ينتظره امام مجمع محاكم الكرخ، ولذلك بمقدوره اصطحاب (هنا) معه، لزيارة حديقة الزوراء القريبة من المكان، قالت الزوجة "اليوم يبدو غائماً وقد تمطر".. قال لها سعد، كوني متفائلة ، قد تشرق الشمس ..وانضمت اليه (هنا) بعد دقائق ، وهي فرحة بملابسها الجديدة التي اشترتها في العيد ، ووالدتها تقول "مع انها في السادسة ، تصر على اختيار الوان ملابسها".. صعدت (هنا) مع والدها الى السيارة، كانت الساعة تشير الى العاشرة الاّ عشر دقائق، الوقت كاف للوصول الى المحكمة، ولكن الزحام بدا كثيفاً عند ساحة دمشق، استدار، نحو المحكمة ، ثم اوقف سيارته في مرأب قريب هناك، نزل سعد وابنته (هنا).. قطعا خطوات نحو الشارع العام، رأت الصغيرة رجلاً يبيع بالونات صغيرة ملونة على شكل القلب، فتوقفت عن السير، "اريد نفاخة"..اشتراها لها. امسكت بخيطها وهي تضحك بجزل وتقول، انني "احبك أهوايا" رفعها بين ذراعيه ، وهو يقول "علينا الاسراع" قطع خطوات سريعة وهي في حضنه، كاد ان يصل مدخل المحكمة، عندما دوى صوت انفجار عنيف، سقط على الارض، اهتز جسده ويداه تحتضنان "هنا" بينهما انهارت اكوام من الحجارة والزجاج وسالت الدماء، ولم تعثر زوجته بعد على جثتيهما. 3- خرج مئات الالوف من المواطنين صباح يوم الثلاثاء مسرعين نساء ورجالا الى اعمالهم، كان اليوم غائماً.. وقطرات خفيفة من المطر تسقط بخفة من السماء الرمادية، فمنهم من ذهب الى وظيفته ومنهم من قصد اماكن اخرى، ربما الى السوق ، الى المستشفى وربما لموعد مهم، كانوا مئات من الاف الناس لما توزعوا في شوارع المدينة، لكن سوء الحظ اختار منهم 577 شخصاً ليكونوا في المكان غير المناسب في اليوم غير المناسب وفي تلك الساعة الملعونة، الخارجة عن حدود الزمن، عندما دوت الانفجارات متلاحقة في انحاء بغداد، تزرع الموت، وتحصد ارواح الابرياء، انفجارات ملعونة تتبرأ منها الانسانية.
فــــارزة: هوامش من بغداد السعيدة
نشر في: 9 ديسمبر, 2009: 08:23 م