الشائعات واحدة من وسائل الحرب النفسية ، وقيل ان جدنا آدم كان اول ضحاياها ، عندما صدق أكذوبة إبليس ، فخسر الجنة ونزل الأرض ، فتحملت البشرية وزر ذنب جعلها تخوض حروبا على الأرض من اجل البقاء ، فقتلت الديناصورات وكل الحيوانات التي تهدد وجودها ، واستطاعت تدجين الأخرى وسخرتها لخدمتها في أعمال الزراعة والصيد ، وجعلت الصنف الثالث من الحيوانات احد مصادر غذائها ، ومع بروز رغبة التملك والاستحواذ على الثروة ، انتقلت الحروب لتكون بين بني البشر، فولدت الحاجة الى السلاح ، فصنع أجدادنا الأوائل من أغصان الشجر والصخور الفؤوس والرماح ، ثم استطاعوا بعقولهم الجبارة وباستخدام المعادن والبارود التوصل الى اختراع بنادقهم البدائية ، ومدافعهم من نوع طوب ابو خزامة لامتلاك قدرة عسكرية كبيرة قادرة على مواجهة الأعداء ، وتحقيق النصر المؤزر في الغزوات للحصول على المغانم والعودة بالسبايا والأسرى ليمروا من تحت قوس النصر .
لاشك ان حروب العصور القديمة عرفت الحرب النفسية ، عن طريق تكليف أشخاص بإشعال نيران قرب الجهة الشمالية من مدينة العدو، لإعطاء إشارة وإيحاء كاذب بان الهجوم سيكون من هذا المحور ، فيما يكون الهجوم الحقيقي من الجهة الشرقية ، فيدخل الغزاة الى المدينة ، ومع استمرار الحروب والنزاعات تعددت أساليب الحرب النفسية حتى أصبحت علما قائما بذاته تعتمده اجهزة المخابرات ، ولعل مقولة غوبلز الشهيرة "كذب كذب حتى يصدقك الناس" أعطت الدليل الأكيد بان الحرب النفسية لا تتعدى بث أكاذيب باستطاعتها التأثير في الرأي العام وتغيير قناعاته لصالح احد اطراف الصراع.
المنطقة العربية ومنها العراق تعد بيئة مناسبة لبث الشائعات ، سواء من السلطة او معارضيها ، وفي ستينات القرن الماضي ، اتهم رئيس الوزراء الراحل طاهر يحيى بالتورط بملفات فساد ، ولاحقته كنية "ابو فرهود" حتى وفاته، والرجل بالوقائع والأرقام والوثائق بريء من التهم ونزيه ، لكن جهات سياسية كانت تبث الشائعات ضده فشوهت صورته وسمعته، وفي الأوساط الاجتماعية تترسخ الشائعات لتصل الى حالة الانطباع الجمعي وهي غير قابل للإزاحة ، ومن ضحايا الشائعات المطرب الراحل سعدي الحلي ،فارق الحياة وفي نفسه حسرة من الاتهامات الكاذبة ، على الرغم من جمهوره الواسع ، وشيوع أغانيه .
في مواسم الأزمات والاضطرابات الأمنية لطالما دعا المسؤولون والساسة وسائل الإعلام الى توخي الدقة في نقل الحقائق من مصادرها ، لإحباط مخططات الأعداء ومواجهة الشائعات التي تحاول النيل من المعنويات ، ولعميد كلية الإعلام في جامعة بغداد هاشم حسن قول في هذا الشأن فهو يرى ان "المعلومة لمن يمتلكها " على غرار تعليمات وإرشادات مديرية المرور العامة "الأسبقية لمن في الساحة " فمن يمتلك المعلومة الدقيقة يستطيع ان يواجه الشائعات ويكشف زيفها ، لكن المعلومات في العراق تكون عادة بحوزة المستشارين والمتحدثين الرسميين ، وعلاقة هؤلاء بوسائل الإعلام ليست على ما يرام بكل الأحوال ، لذلك تصدر الشائعات حسب الطلب ، والوضع الأمني لا يحتمل اتبع الكذاب الى باب بيته لكشف الحقيقة الغائبة، والف رحمة على روحك سعدي الحلي .