تأتي الأخبار من القدس لتؤكد عروبة المدينة التي تقف وحيدة، في ظل غياب أي موقف عربي حقيقي من عمليات تهويدها المستمرة، وكالعادة يكون الاعتداء على الأقصى شرارة انتفاضة، قد لاتكون متوقعة عند قوات الاحتلال والأنظمة العربية، فقبل يومين تحولت عملية استهداف ايهودا غليك وهو من أبرز الناشطين اليمينيين المتطرفين، إلى مفاجأة لحكومة نتنياهو بتوقيتها وجغرافيتها، ولم يكن الرد عليها غير مزيد من القمع، يستدعى إلى الذاكرة انتفاضة الأقصى، الناجمة عن زيارة المقبور شارون الاستفزازية للمسجد، وأثمرت انتفاضة مباركة، وأقلقت التطورات الحالية واشنطن، فدعت إلى إعادة فتح الحرم القدسي أمام المصلين المسلمين، لكنها شددت على ضرورة أن يعمل الزعماء معاً على خفض التوترات وعدم تشجيع العنف، وأكدت تواصلها مع الجميع لتخفيف حدة التوتر في القدس.
هذه المرة وكعادته حمَّل نتنياهو الرئيس الفلسطيني مسؤولية التحريض، استناداً إلى تصريح له بوجوب منع صعود اليهود إلى الحرم القدسي بكل الوسائل، وحاول استغلال الحادثة بدعوته المجتمع الدولي لإدانتها، فيما دعا اليمين المتطرف إلى استعادة السيادة الإسرائيلية على القدس، وكانت شوارع القدس اشتعلت بالمواجهات بعد اغتيال منفذ العملية ضد غيليك، وزاد من حدتها قرار إغلاق المسجد الأقصى لأول مرة منذ احتلاله، وهو ما اعتبره عباس إعلان حرب على الشعب الفلسطيني، واستثار غضب الأردن باعتبار ملكها صاحب وصاية على المقدسات، ولم يمنع تزامن القرار مع الذكرى العشرين لمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، من إطلاق عمان سلسلة من التصريحات الغاضبة إزاء إسرائيل، ولكن تبدو مبالغةً تصريحات الناطق باسم الحكومة الأردنية بأن الرسائل الحازمة إلى المجتمع الدولي أثمرت عن اعادة فتح أبواب المسجد للمصلين، وأن كل الخيارات كانت مفتوحة لاتخاذ الخطوات اللازمة لمنع تكرار الاعتداءات الإسرائيلية ضد المقدسات الاسلامية في القدس، من خلال حشد الجهود الدولية واللجوء إلى مجلس الامن.
ثمة في إسرائيل مخاوف من امتداد الانتفاضة المقدسية إلى باقي أنحاء فلسطين، وتتزايد تحذيرات الأوساط السياسية والأمنية والإعلامية والدعوات لإطفاء النار قبل انتشارها من خلال تشديد القبضة على الأهالي وزيادة الاعتقالات والغرامات، ومن الجهة المقابلة يحذّر آخرون، بأن من شأن إقدام إسرائيل على المساس بالوضع الراهن في الحرم القدسي، تأجيج النار وإشعال انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية.
لاتزال انتفاضة القدس مدنيّة، لكن المحاذير قائمة من عسكرتها، ولهذا فإن الأصوات تتعالى مطالبة نتنياهو بتحمل المسؤولية، وتوفير الأمن الشخصي الكامل لسكان القدس، بدلاً من اتهام الرئيس عباس، إضافة لدعوة الحكومة بالتوقف عن السماح للمستوطنين بالتسلل للأحياء العربية في القدس الشرقية، خشية رد فعل سكانها الفلسطينيين، علماً بأن تصاعد الأحداث في القدس جاء نتيجة للتحريض الإسرائيلي، وأن معظم أعمال العنف في القدس المحتلة، كانت رد فعل على اعتداءات المستوطنين وممارسات الاحتلال.
هناك من يرى أن التغييرات في هوية القدس العربية لعبة صهيونية، لإطاحة كل ما تم من اتفاقات سواء مع الأردن أو الفلسطينيين، بينما تسعى إسرائيل جاهدة لاختصار فلسطين في دولة غزة المحاصرة والمعزولة، وضمّ أكثر من نصف أراضي الضفة الغربية إلى الدولة العبرية، وترك البقية للحكم الذاتي المقطع الأوصال في معازل جغرافية تسهل السيطرة عليها، وإلغاء المطالبة بحق العودة نهائياً، غير أن الواقع على الأرض يتحدث بلغة أخرى مفادها أن حشر الفلسطينيين أمام جدار لا يمكن اختراقه بالضغط الدولي، سيدفعهم حتماّ إلى خيار المقاومة بالانتفاضة التي تبدو قاب قوسين من التحقق، فهل نحن على موعد مع انتفاضة القدس وامتدادها إلى فلسطين، كل فلسطين.
انتفاضة القدس
[post-views]
نشر في: 1 نوفمبر, 2014: 09:01 م