مثل كلّ الأديان، تختلف تفسيرات المؤمنين، وأكثر منهم رجال الدين، حول الكثير من القضايا الإسلامية، و "كلٌ يدعي وصلاً بليلى"، ويؤكد أن "إسلامه" هو الصحيح، وأن الآخرين إما كفار أو زناديق أو جهلة، وتكبر المصيبة حين يتبرع الحاكم بالدفاع عن "دينه"، الذي قد لا يشبه دين بعض الرعية، فيحولهم إلى رعاع لابد من اجتثاثهم، حتى وإن كان الخلاف معهم، لمجرد نقدهم لبعض أزلامه المكلفين بالحفاظ على الدين، مثلما يحدث مع الناشطة السعودية في مجال حقوق الإنسان سعاد الشمري، المعتقلة بتهمة "التطاول على الإسلام"، والناشط في المجتمع المدني رائف بدوي، الذي يقضي عقوبة بالسجن لعشرة أعوام، لمجرد انتقاده هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر التي لامثيل لها، وكأن هذه المؤسسة الشديدة التخلف والتزمت، باتت عنوان الإسلام، وبحيث تُعتبر فكرة انتقادها تجديفاً يستحق العقوبة، وليس سراً أن تهمة الإساءة للإسلام، تُلصق بكل سعودي يدافع عن حقوق الإنسان.
في جمهورية إيران الإسلامية "دين" آخر مختلف، لا يجد غضاضة في إعدام صبية قتلت رجلاً حاول اغتصابها، لمجرد أن القتيل ينتمي لمذهب الحاكم، بينما هي من مذهب مختلف، وفي لبنان ثمة دين لحزب الله وأديان للأسير والمستقبل وداعش، وكلها تدعي التمثيل الأصح للإسلام، في اليمن حوثيون يسمون أنفسهم أنصار الله، وإخوان مسلمين والقاعدة، وكلٌ يشن حربا دينية على الآخرين، وفي مصر أنصار بيت المقدس الإخوانيين ضد الأزهر ويكفرونه، وفي ليبيا أكثر من إسلام بحيث يصعب إحصاؤهم، وفي تونس نهضة الغنوشي ضد أتباع دولة الخلافة، وفي سوريا سنة ضد العلويين والدروز والشيعة والإسماعيليين، وفي الأردن تدعو الدولة لإسلام وسطي، دون أن يستجيب لدعوتها غير موظفي الأوقاف، بينما يتفلّت الجمهور منتمياً للإخوان أو السلفية الجهادية، وفي العراق حدث ولا حرج، فالسنة يكفرون الشيعة وهؤلاء يبادلونهم الفكرة نفسها، والحرب بينهما سجال ومُعلنة وبغيضة، وفي السودان إسلام عمر البشير الحائر بين قاهرة المعز وآيات الله في طهران، فهل يمكن إحصاء كم إسلام ذكرنا؟، وكم حرب تنشب بينهم على أسس الفهم المختلف للدين ومقتضياته.
في بلاد الإسلام "أي إسلام؟" نعيش أنماطاً من التمييز، على أساس الدين والمعتقد والمذهب، وفي أكثر من بلد إسلامي ثمة إكراه في الدين، حتّى بعد أن تبين الرشد من الغي، وبما يتنافى مع حرية الاعتقاد، ليس هذا ديدن الحكام فقط، حيث يتم استغلال الدين ويتكئ عليه الحكام كغطاء لوصولهم للسلطة، بعيداً عن رأي شعوبهم أو رغمها، وهذه الأفكار تعشعش في نفوس الجمهور، الذي تربى على أنه وحده يمتلك الحقيقة والإيمان، وأن من حقه منع الآخرين من اعتناق ما يريدون من أفكار، سواء كانت دينية أو غير ذلك، وكمثال على ما نقول، نحن نعرف أن كل مسلم يحترم الإمام الحسين ثائراً وشهيداً، ويُسبغ عليه شكلاً من القداسة لانتسابه للرسول، ولكن الملاحظ أنه في عصر الطائفية، بات المسلم السني يداري هذه المحبة وهذا الاحترام، خشية مؤاخذته من "شيوخه"، وكأن الإمام الشهيد ليس قدوة لكل مسلم، إن لم نقل لكل إنسان.
وبعد، لماذا إذن يستغرب بعضنا انتشار الفكر الداعشي، والتباهي بقطع الرؤوس وسبي النساء ورجمهن، دون أن يفكر أو يسأل، على أي أرضية نشأ هذا الفكر، ولماذا ينتشر بهذه السرعة؟
الإسلام.. وكلٌ يدّعي وصلاً بليلى
[post-views]
نشر في: 2 نوفمبر, 2014: 09:01 م