عادل الهاشميهل بوسعنا ان نرمز لغناء عبدالحليم حافظ باعتباره فنا يحفظ الكثير من الايحاءات الرومانسية في الشكل والمضمون؟ لنتقفاهم سلفا ان ذلك ممكن تماما اذا ما علمنا ان الاتجاه الرومانسي في اغاني عبدالحليم حافظ خلعت على فنه حماسا ايجابيا متناغما يرافق ولا في الغناء من النظرة العواطفية المسطحة الى واقع الحياة العملية..
لقد كان عبدالحليم حافظ هو اكمل تعبير عن تناقضات الواقع الغنائي ردحا طويلا من الزمن، هي تحمل ايضا في طياتها كافة الافتراضات الثقافية التي هي التجسيد الحقيقي للتناقض الاجتماعي كما ان البرجوازية التجارية الى جانب ذلك استخدمت نفوذها المادي في مد ارغاماتها الفكرية في شرايين الفن الغنائي، وكان من نتائج هذه السيطرة ان توطدت القيم التربوية البرجوازية كثيرا في المفهومات الغنائية، في الوقت الذي يعتبر الحزن في الغناء العربي القاعدة الاساسية له.rnبدأ هذا الحزن في عصر البرجوازية التجارية يتقصى التضمينات السلبية فيه.. تلك التي تعني التسليم اليائس له من جانب الشخصية الجريحة للمغني وبايقاعية فنية.. واما الحزن الايجابي الذي يغذي في الفن روح التحدي والمواصلة والانشداد لحركة الحياة..فهذا تيار جاء متأخرا للغناء العربي حتى وضحت ملامحه في اغاني عبدالحليم حافظ.. التي فضحت الشعار البرجوازي التجاري الكاذب الذي يدعو تكريس الحزن في الاغنية العربية باعتبار مظاهرة قدرية غيبية لامفر منها بدلا من مواجهته بمزيد من الانحياز للنضال باتجاه يحض على ان الحزن قيمة انسانية ايجابية تخول الفنان مواجهتها لا الاستسلام لها.ان رومانسية عبدالحليم حافظ في البناء الغنائي كانت احتجاجا نبيلا على كلاسيكية الغناء قبل عصره.. اعني عصر محمد عبدالوهاب وام كلثوم وفريد الاطرش ومن حولهم.القواعد والانماط والاشكال والمضامين في الاغنية العربية قيضت لها الاقدار صوت عبدالحليم ليعيد صياغة هذه كلها بحنجرته المحدودة وبفنية الاداء غير المحدودة لديه!.ان اول اشارة لرومانسية الغناء عند عبدالحليم حافظ هو اضفاء نزعة رفيعة على الاشياء المألوفة في السياقات البنائية للاغنية العربية، ولعل اولها التعبير في الحب، لقد جعلت اغنية عبدالحليم هذه الديناميكية الازلية في الحب ذات قيمة باهرة رغم اعتياديتها.واجهته بلغة جديدة وفهم جديد ووسط حي، الغزل في الايام القديمة كان التعبير عنه يختص بالافندية والموسرين، ولكن في اغنية عبدالحليم حافظ تحولت النظرة الى الحب.. فكل ما غناه لايعبر عن تجربة ناقصة مدبجة او مثلومة.. انما يعبر عن خبرة يعرفها الجميع لانها تعبر عن الجميع!.لقد هجرت اغنية عبدالحليم الصالون الكلاسيكي الانيق وانطلقت الى البراري والريف والترعة والناعور والازقة لتفجر الشوق المعقول بترتيب وفق اصول فنية متطورة.ان الحيرة والضياع والعواطف الزائدة الملتاعة والذاتية المزهوة والانا الباكية المنتحبة المتشنجة، صرنا لانلمسها في اغاني عبدالحليم، ربما وجدنا اثارها متناثرة هنا وهناك، لكن ذلك كله لايلغي الملامح والخصائص التي درجت عليه اغاني عبدالحليم عبر مسيرتها الجديدة، كنا نلاحظ في الاغنية محاولة لتجاوز التناقض في البناء الكلاسيكي والاتحاد مع الواقع ثم تأسيس طريق لتصوير علاقة نشطة وجديدة بين الذات والموضوع..التعبير الوطني في اغاني عبدالحليم حافظان اغاني عبدالحليم بلغت ذورة رومانسيتها العقلانية المتطورة بتأثير الحركة الثورية التي قادت ثورة الثالث والعشرين من تموز في مصر، كان موقف الاغنية في حنجرة عبدالحليم، انها مع الثورة والتقدم وضد التقهقر وصراعا ضد الاقطاع والاستبداد والتسلط، لقد التقت الاغنية على كراهية الاستعمار، والحكم الاجنبي والرجعية بحماسة اصيلة، لقد شاع موقفان لعدد من المثقفين حول اغاني عبدالحليم، وجد الموقف الاول ان فيها رائحة ارستقراطية واناقة برجوازية اكثر مما ينبغي بينما وجد الموقف الثاني انها صور لنمذجة الحس الشعبي ومنابته العريقة، ومهما يكن من امر فان عبدالحليم حافظ صوت شعبي ولكن بثقافة اكاديمية!.ان التعبير الرومانسي في اغانيه وسيلة لتحرير شخصية الاغنية العربية من امراضها واوهامها العواطفية وتغذيتها بحس عاقل جسور نبيل يتطلع الى العلاقات الاوثق في رحاب انساني مشترك والى الواقع الاجتماعي لاكتساب الخبرات الاساسية، لكن رغم ذلك فان اغنية عبدالحليم لم تتطلع في التعبير الى الشمول الحقيقي للعمليات الاجتماعية.. وهذا يرجع بطبيعة الحال الى تأثير الموروث الاجتماعي في الافكار والاعتقادات والاساليب على ان هذا لاينفي ان اغنية عبدالحليم بروحها البسيطة الصافية قد استبدلت المفهومات الميكانيكية في الاغنية بالمفهومات العضوية التي تحث على الشوق الى الحق والحرية والحب والمعرفة..ان الخيال في الاغنية العربية عبر صوت عبدالحليم خيال نشط متآلف منسجم طازج يصدر من متابعة الوجدانية الصحيحة وكانت خيوط الواقعية في العواطف التي ارستها قد تجاهلت تماما التيارات النفعية والغيبية والتواكلية..rnمواجهة جروح الاغنية العربيةيمكن القول ان اشجان عبدالحليم الرومانسية في خيارات عواطفه الخاصة قد ساهمت هي الاخرى في بلورة شكل الاغنية ومضمونها عنده، هي امتزاج اخذ كفايته من الرصانة، امتزاج العقل والعاطفة، المعتقد والحقيقة، الخيال والواقع، التعبير والتط
عبدالحليم حافظ..صوت شعبي بأصول اكاديمية
نشر في: 11 ديسمبر, 2009: 04:48 م