TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > عبدالحليم حافظ..الحنجرة والتيار والمدرسة

عبدالحليم حافظ..الحنجرة والتيار والمدرسة

نشر في: 11 ديسمبر, 2009: 04:51 م

في اواخر الاربعينيات، كان المعهد الموسيقي في القاهرة يضم بين عشرات من الطلاب، خمسة من الاصدقاء، لاندري اذا كان احد من اساتذتهم قد تنبه منذ ذلك الوقت الى انهم يتميزون عن بقية رفاقهم بمواهب خاصة، وحتى لو كان بين الاساتذة من تنبه الى تلك المواهب الخاصة،
 في ذلك الوقت فقد كان الرفاق الخمسة بالنسبة للجمهور مغمورين، مجهولين لايسمع بهم احد خارج دائرة عائلاتهم ومعارفهم المباشرين ، هؤلاء الخمسة هم: عبدالحليم شبانة، محمد الموجي، كمال الطويل، احمد فؤاد حسن وعلي اسماعيل.في ذلك الوقت كانت الخريطة التقريبية للحياة الموسيقية والغنائية العربية تبدو كما يلي: كان قد مر ما يقارب من ثلاثة عقود على العاصفة الهائلة التي فتح بها سيد درويش كل ابواب التجديد امام الموسيقى والغناء العربيين، وزانجلى غبار هذه العاصفة عن اربعة مكلحنين عمالقة هم: محمد عبدالوهاب، محمد القصبجي، زكريا احمد ورياض السنباطي، واحد من هؤلاء صمد امام العاصفة (زكريا احمد) وعاد يواصل في صمود وثقة خط القرن التاسع عشر كما وصل الى القرن العشرين مع محمد عثمان وداود حسني، والثاني (رياض السنباطي) افتتن في البداية بغواية التجدد، متأثرا بسيد درويش اولا ثم بالقصبجي بشكل خاص، ولكنه عاد فاستقر على الخط الكلاسيكي، يقول فيه بنبرة معاصرة – والثالث (محمد القصبجي) الذي ولد في السنة نفسها التي ولد فيها سيد درويش، اندفع حتى النهاية مع دواعي التجديد واغراءاته، ولكن تجديده بقي محصورا بشكل اساسي بحنجرة واحدة (ام كلثوم)، لم يتجاوزها الاّ قليلا الى حنجرتي ليلى مراد واسمهان، اما الرابع محمد عبدالوهاب، فقد وضع قدميه، منذ (في الليل لما خلي)، على طريق الغواية الكاملة بمغريات التجديد ودوافعه التي لايروى لها ظمأ، ساعده في ذلك حنجرة عبقرية كانت اعظم آلة عزف عليها ووضع لها الالحان.وبعد ان كان عقدا الثلاثينيات والاربعينيات، فترة التفتح الكامل والعطاء الغزير للعباقرة الاربعة فقد ارتبط القصبجي وزكريا احمد والسنباطي بحنجرة ام كلثوم العظيمة، بينما انطلق عبدالوهاب مع حنجرته وعوده، يندفع وراء مغريات التجديد بوتيرة بالغة السرعة، فنجح في الاربعينيات بالذات في التربع على عرش التيار الرئيسي للاغنية العربية الحديثة، بعد ان نمت الى جانبه تيارات فرعية مثلها محمود الشريف ومحمد فوزي وفريد الاطرش، واصوات مثل محمد عبدالمطلب وعبدالغني السيد وكارم محمود.ومع ان محمد عبدالوهاب قد واصل العطاء والتجديد في التيار الذي تزعمه –ومازال- فالحياة الثقافية لاتعرف الجمود، وتطالب دائما بالجديد، وقبل عبدالحليم حافظ والموجي والطويل، ظهرت ثلاث اشارات بشرت بولادة جديد، ولكن البشارات الثلاث كانت كاذبة لانها تجسدت بثلاث حناجر لاميزة لها الا الشبه بحنجرة عبدالوهاب ولاقدرة لها الا في محاولة تقليد عبدالوهاب، وقد عاشت هذه الحناجر حياتها الفنية اللامعة القصيرة، اما على الحان مباشرة من محمد عبدالوهاب او على محاولات فاشلة لتقليده في التلحين كما في الغناء.ويبدو ان بذرة التجديد والابتكار كانت قوية في نفس عبدالحليم واصدقائه، على الرغم من ترعرعهم في مدرسة عبدالوهاب، التي ظلوا متأثرين بها، فبذرة التجديد هذه هي التي دفعت عبدالحليم شبانة (الذي غير اسمه من شبانة الى حافظ عرفانا بجميل حافظ عبدالوهاب، الاذاعي الذي فتح له ابواب الاذاعة) حتى عندما كان هاويا الى تحمل الصعاب لفرض شخصيته الفنية، اي لطرحج وجهة نظره الشخصية بالغناء فمع ان المطرب الناشئ غنى (جبل التوباد) امام عبدالوهاب، وقبله امام لجنة الاستماع في الاذاعة، فقد شهد عبدالوهاب نفسه ان اهم ما اعجبه هو ان الفني الجديد ادى (جبل التوباد) على طريقته الخاصة ومن البداية كان عبدالحليم قد حمل الحان الموجي الجديدة وصمم على ان يخطو بها خطواته الاولى في الحفلات العامة، وكلفه ذلك في البداية صداما عنيفا مع متعهدي الحفلات، الذين كانوا يفضلون لضمان الرواج التجاري لحفلاتهم، ان يقدم المغني الجديد أغاني عبدالوهاب المعروفة.وهكذا، منذ البداية، لم يكن عبدالحليم حافظ مجرد صوت جديد يضاف الى الاصوات الاخرى، ولم يكن الموجي والطويل مجرد ملحنين يملكان بعض الانغام الجديدة، ولم يكن علي اسماعيل مجرد موزع موسيقي مجتهد، ولا احمد فؤاد حسن مجرد عازف قانون بارع، بل كانوا جميعا، وخاصة الثلاثة الاوائل، اصحاب وجهة نظر جديدة، صحيح انها ابنة شرعية للتيار الرئيسي في الاغنية العربية الحديثة التي يتزعمه عبدالوهاب، ولكنها صاحبة نكهة خاصة في هذا التيار، واذا كانت الرحلة الطويلة الغزيرة الانتاج بين صافيني مرة وقارئة الفنجان هي الدليل الرئيسي على ذلك، فهناك ادلة فرعية كثيرة اخرى اهمها:-ان محمد عبدالوهاب، زعيم التيار الجديد، قد اعترف بالمدرسة الجديدة داخل هذا التيار، وكان لاعترافه هذا عدة اساليب في التعبير، منها انه بكر كثيرا في تبني حنجرة عبدالحليم حافظ، وظل ملازما لها من البداية الى النهاية، ومنها ان كثيرا من الحان عبدالوهاب لعبد الحليم قد لفحتها نكهة مدرسة عبدالحليم، الموجي، الطويل..-ان عددا كبيرا  من المغنين قد ظهروا بعد عبدالحليم حافظ: عبداللطيف التلباني، كمال حسني،

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram