قضيتان أثارتا استغرابي مطلع الأسبوع، أولها ان الوزراء التابعين لنوري المالكي كانوا يمتلكون صوتين واكثر أحيانا (واحد أصالة والثاني وكالة) في اجتماعات مجلس الوزراء السابق، ولذلك كانوا يستسهلون الإطاحة بخصومهم من وزراء الكتل الأخرى، والذين لا يمتلكون سوى صوت واحد، مثل كل وزير في العالم. وحين كانت كل قاعدة اللعبة مكتوبة من السلطان السابق بمفرده، لم يكن ممكنا الا الدخول في مباريات خاسرة سلفا معه. أما اليوم فان الأمور تتغير، والسيد العبادي كما يبدو، يتقبلها برحابة صدر.
أما ثاني الأمور التي أثارت استغرابي، فهي ان المالكي لم يكلف أي وزير حتى، بلقاء اثيل النجيفي محافظ نينوى، منذ انهيارنا العسكري وحتى مغادرة السلطان لمكتبه. كما ان العبادي تأخر شهرين بعد تسلمه مهام رئاسة الحكومة، كي يلتقي النجيفي. وقد التقاه بالفعل مع عدد من أعضاء مجلس محافظة نينوى، ونوابها في البرلمان، ووزرائها. ولنا ان نتخيل أية فجوة سياسية نعاني اذا كان لقاء عادي بين اثيل وحيدر، يتطلب شهرين من التردد او التظاهر بالانشغال او أي شيء آخر.
أما الأمر الأول فقد اصبح رهن التغيير. لم يعد بإمكان رئيس الحكومة ان يهزم عشرة من الوزراء المعارضين لأخطائه، بخمسة وزراء موالين له، متذرعا بان الخمسة هم مستوزرون بالوكالة لثماني او تسع وزارات اخرى. فطبقا لنظام داخلي تعهد العبادي بإقراره ونشرت مسودته شبه النهائية قبل يومين، لم يعد يحق للوزير الا صوت واحد في كل الأحوال. بل ان استقالة نصف الوزراء ستعني استقالة الحكومة، وتكليف رئيس وزراء جديد، وهذا يعني انه لم يعد في وسع السلطان ان يفعل كما فعل صاحبنا السابق دوما، حين كان يبقى وحيدا بلا وزراء، ومع ذلك يصر على ان الحكومة"باقية وتتمدد"، الى ان"تمددنا"جميعا بلا حراك، وعبثت بنا أصابع"الخليفة"وخناجره.
النظام الداخلي الجديد كان المالكي يرفضه بشدة ويماطل بشأنه، لكنه اصبح واقع حال اليوم، رغم وجود بعض الخلافات التي أجلت إقراره أسبوعين آخرين، تتعلق بصلاحيات نواب رئيس الوزراء الذين كانوا"شكليين"ويفترض ان يصبحوا"حقيقيين"، وهذا امر ظل يثير بعض المخاوف ويوقظ نوعا من الحسابات، ما يبدو طبيعيا ونحن ننتقل من أعوام الفوضى الوزارية، الى عهد اتفاقات واضحة نقطف عبرها بعض الخبرة وشيئا من نتائج كل التضحيات الدامية.
وسنبقى ننتظر ونتقبل شيئا من البطء، لكن هذا لا يساعدني على ان أتفهم تأخر العبادي شهرين بعد تسلمه المنصب، في لقاء ممثلي نينوى، القصة الأكثر غموضا وألما طوال الأشهر الماضية.
ودعونا ننسى هذا التأخير، ونفرح بان اللقاء تم، بين العبادي والمحافظ ومجلسه والممثلين الآخرين لنينوى، والمهم الآن ليس ان نقنع"المصالوة"بأن العبادي منقذ نبيل وبلا أخطاء، ولا ان يقتنع فريق رئيس الحكومة بأن السيد اثيل نقي ابيض وقطعة خالصة من الوفاء، فجوّ الارتياب لن يتبدد بسهولة، لكن على الطرفين ان يتذكرا كيف بقينا نتنازع سنوات على قطعة الحلوى، حتى قفزت من بين أيدينا المتصارعة، ووقعت لقمة سهلة في حلق"الخليفة". وان ندرك بان الوقت حان لتجنب المماطلة والبدء بوضع اتفاقات كبرى، كل تنازل فيها سيقابله تنازل، وأي نقض ضمنها سيقابله انتكاس يدخل الفرح الى قلب داعش.
وقد صار واضحا الآن بان المجازر بحق العشائر المعارضة لداعش، والضباط المعارضين لداعش، والموظفين الرافضين لداعش، في الأنبار وصلاح الدين ونينوى، امر يتطلب تحركا عاجلا. ولن يكون مبرراً بأي شكل ان نبقى نشكك بولاء المقاتل المحلي في الأنبار ونحرمه السلاح، ونمنعه كذلك من الاستعانة بقوات عربية او أجنبية، ثم نصلي عليه صلاة الوحشة حين يذبحه"الخليفة"لأنه قاتل داعش حتى نفاد عتاده.
نظام للوزراء ولقاء متاخر مع الموصل
[post-views]
نشر في: 5 نوفمبر, 2014: 09:01 م