لم يُثر الصيني مو يان الكثير من الاهتمام والمتابعة منا نحن قراء الضاد، عندما نال جائزة نوبل للآداب عام 2012، اسم غير معروف لنا نحن الذين لا نزال حتى الآن نعتقد أن الأدب الصيني توقف عند صاحبة البجعات الثلاث، ولأننا نقضي نهاراتنا وليالينا "نلوك" بنظرية المؤامرة فقد كنت ولسذاجتي من الذين قلبوا سحنتهم حينما سمعت اسم السيد مو للمرة الأولى، فماذا يعنينا رجل يكتب بحروف أشبه بالمسمارية القديمة.
يبدع مو يان في تصوير حياة الريف الصيني في ظل الاستعمار الياباني، الذي كانت له ميزة واحدة: تحفيز الناس على التلاحم والتكاتف ضد عدو يريد تحويل هذه الأرض الشاسعة إلى مستعمرة.. ويصف لنا في روايته"الذرة الرفيعة الحمراء"كيف استطاع احد حكماء القرية من أن يحفز الناس على طرد المستعمر وكانت وصفته السحرية تتلخص في كلمات بسيطة:"علينا أن نعرف أن الماضي انتهى والمستقبل شيء آخر تماما. إنه سباق وبقاء. علينا أن نتعلم أن الخاملين والبلداء، هم قوت الانقراض. تعلموا ذلك واحفظوه جيدا".
منذ سنين ونحن نعيش مسرحية أننا في طليعة البلدان الديمقراطية التي عُدّلَت إلى أننا في مقدمة الدول المستقرة سياسيا، ثم أصرّ ساستنا على السير بنا إلى الهاوية، وأن نعيش معهم فوق بركان يتطاير منه الشرر في كل ثانية.
بعد ثورة 14 تموز 1958 يرسل عبد الكريم قاسم الشيخ جلال الحنفي ليكون أول أستاذ للغة العربية في جامعة صينية، لكن بعد انقلاب شباط 63 تستدعي وزارة التربية الحنفي ليعود إلى بغداد يعكف على وضع أول معجم باللغة الصينية، وعندما تستشيره الصين في أن يرسل بديلاً عنه يرشح لهم هادي العلوي مكانه، فكان أن عشق هذه البلاد وسطّر لها كتابا بعنوان المستطرف الصيني.
تقدم الصين كل يوم دروسا جديدة للعالم، فقد تمكنت من توجيه أكثر من مليار إنسان نحو ستراتيجية اقتصادية أذهلت العالم، لم تعد الشيوعية إلزاماً في الصين ولكنها تجربة في محاولة إيجاد الرغيف الواحد على مائدة أكثر من خمسة أفراد في بلد نفوسه خمس العالم، فمارست التطوير وتعديل مسارات المستقبل، حتى وصل الأمر أنه يندر وجود منزل في العالم لا توجد فيه قطعة صنعت في الصين. أراد"دنغ كسياو بنغ"وهو يبني الصين الحديثة أن يفيد من تجربة دول أصغر شأنا ومكانة مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية.
يخبرنا المفكر سمير أمين، كيف تمكنت الصين في السنوات الأخيرة من استيعاب وتشغيل أكثر من 400 مليون مواطن نزحوا من الأرياف إلى المدن، أي ما يزيد على كامل عدد سكان البلدان العربية مجتمعة.
أعود إلى رواية مو يان، وفيها يروي لنا نتفاً وحكايات عن مجتمع سوي شعاره التسامح وهدفه إعانة المظلوم، وأعيد إلى أذهانكم دموع المهجّرات، وشكوى العجائز.. وحيرة الآباء وعجز حكومتنا الرشيدة في توفير ملاذ آمن لمواطنيها وحياة كريمة لمهجّريها.
أكتب عن الصين التي لا يريد العراق أن يستلهم تجربتها في النمو، ويصرّ على إقامة شراكة حضارية مع السودان وأفغانستان والصومال
علينا أن نعرف بأنّ باني الصين الحديثة كان ماركسي الفكر، عصري الهوى، وأنّ باني كوريا الجنوبية كان معجبا برواية سيرفانتس دون كيشوت، قال مرة لأحد مساعديه وهو يحدثه عن حلم بناء دولة مزدهرة ومستقرة:"ستقولون أنا مثل دون كيشوت أحارب طواحين الهواء.. نعم ياسادة سأكون دون كيشوت هذه البلاد وسأدحر الطواحين" كل هؤلاء كان تفسيرهم للسلطة بأنها محبة الآخر وخير الناس.. لم يرَ حكام هذه البلدان الحكمة في تسليم أمور البلاد إلى مستشارين من الأقارب والأحباب والأصدقاء، لهم الأمر والنهي في مصائر العباد.
السباق الجاد الآن بين الصين وبلدان العالم على زيادة الدخل القومي، هل تعرفون أن حجم سوق الأسهم في بكين يتجاوز الترليون دولار.. فيما صحونا نحن بعد ثماني سنوات من سطوة مختار العصر على خزينة خاوية، ومدن ابتلعتها داعش بعشرات المركبات!
في دولة ابتلعها الفاشلون
[post-views]
نشر في: 5 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
محمد سعيد العضب
مقاربه ظالمه با اخي الكاتب المبدع , حينما تنقلنا في سردك عن روايات من بلاد الصين اوغيرها من بلدان المعموره, وترتل علينا انجازاتها , وكيف خطت نحو افاق لامعه في الحريه والازدهار من خلال العمل والجهد والمثابره , في حين ابتلينا نحن في ترتيل قصص ماضي