TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > حــليــــم .. صوت شعب (رثاء لجيل صنع حلم الستينيات)

حــليــــم .. صوت شعب (رثاء لجيل صنع حلم الستينيات)

نشر في: 11 ديسمبر, 2009: 04:56 م

فراس عبد الجليل الشاروط بالرغم من وجود العديد من الاصوات الغنائية الرائعة على الساحة الفنية بداية الخمسينيات من القرن الماضي ابتداءً من أم كلثوم وفريد الاطرش ومحمد فوزي وشادية وصباح وليس انتهاء بأحد، الا ان الغناء العربي كان يفتقر الى شيء ما فالجو العام كان بحاجة الى مطرب شاب جديد يعبر عن الشباب وهمومهم وانكساراتهم فكان (عبد الحليم شبانة)
 الذي وصل الى القلوب مباشرة مع رفيقيه (محمد الموجي) و(كمال الطويل) عندما قدم له الاول اغنية (صافيني مرة) والثاني اغنية(على قد الشوق)، وجاءت الثورة لتغير الكثير من المفاهيم الاجتماعية والسياسية وكان (عبد الحليم حافظ) خير معبر عن هذا العالم الجديد ليلقب بعدها بـ(مطرب الثورة). * حليم ورحلة السينما: كان لابد للسينما ان تلتفت لهذه الموهبة الجديدة، فقدم حليم خلال مسيرته الفنية الطويلة (22عاما) فقط (16) فيلما وقد يبدو هذا العدد قليلاً بالقياس لرحلة حليم الطويلة ربما يعود السبب فيها الى عدة امور منها ان المطرب الشاب كان مريضاً ولايستطيع بذل مجهود كبير في التمثيل، ومنها حرصه ودقته المتناهية وتدخله بجميع نواحي الفيلم الفنية محاولاً قدر الامكان الوصول بالفيلم الى الكمال والى نتيجة مرضية فنياً، من هنا نرى ان افلام حليم لازالت من اجمل كلاسيكيات السينما العربية. * السينما ورحلة حليم: مثلما التفتت السينما يوماً الى موهبة حليم كان لابد لها ان تعود وتلتفت اليه مرة اخرى ولكن هذه المرة بفيلم يؤرشف لحياة او جزء من حياة هذا المطرب الاسطورة. ان اغلب الافلام السينمائية التي تتناول سيرة شخصية ما يكون سرد الشريط الفيلمي عبر طريقتين: اما يتناول الفيلم سيرة الشخصية بخط افقي، يعني مواكبة سير خط حياته من الصغر وحتى نهايته. او من خلال اقتناص لحظة معينة مهمة في حياة الشخصية ليعود الفيلم الى البدايات عبر طريقة الاستعادة (flash back) ويبدو ان صانعي فيلم(حليم) عن حياة العندليب الاسمر قد اختاروا طريقة اخرى لسرد حياة هذا المطرب عبر التلاعب بالسرد والانتقالات بين الماضي والحاضر بدون ربط تسلسلي في الحكاية وربما هذا الاسلوب هو الذي لم يحقق للفيلم نجاحه الجماهيري لعدم تعود ذهنية المشاهد العربي الكلاسيكية على هكذا نوعية من السرد الحكائي رغم شيوعها روائياً. * عن الفيلم: استخدم السينارست محفوظ عبد الرحمن والمخرج شريف عرفة لغة سينمائية محكمة ورصينة واستطاع المخرج بذكاء ان يمسك المتلقي لاحداث الفيلم منذ اللقطات الافتتاحية (ال،10 دقائق) الاولى ساعده في ذلك الاداء المتمكن الاخاذ والحضور الرائع للممثل (احمد زكي) في دور العندليب، الديكور الجميل والازياء الاجمل اعادت لنا فترة السبعينيات من القرن الماضي حيث المطرب على خشبة المسرح يغني ويصارع الالم، ليسقط مع نهاية الاغنية فوق الخشبة وينقل الى المستشفى، بين صراع الحياة مع الموت وبين لقاء المطرب مع الاذاعي تنتقل الاحداث من المراهقة والكبر ثم الطفولة لنعود الى سرد اخر عن طريقة شخصية اخرى (كلقاء الاذاعي نفسه مع الموسيقار محمد عبد الوهاب) لنعود ثانية الى المستشفى ومرة اخرى استعادة الماضي وهكذا. من هنا لايمكن تلخيص حكاية فيلم (حليم) امام الجهود الخلاقة للمخرج شريف عرفة الذي كان في اروع واصدق حالاته الفنية والذي قدم لنا عبر سيناريو جميل وشفاف لغة سينمائية رصينة ومتزنة ازاء رحلة البطل (عبد الحليم/احمد زكي) الشاقة والمؤلمة، نحو المجد والخاتمة تحقق للفيلم ميزانية كبيرة انتاجياً متمثلة بشركة (كودنيوز) ووقف خلفها ممثلون رائعون ابتداءً بالاسطورة احمد زكي بالاكتشاف الاهم هيثم زكي مروراً بالتصوير والمكياج والازياء والملابس وانتهاء بالموسيقى التصويرية الجميلة للمبدع عمار الشريعي. * النهاية: تعمق الفيلم كثيراً في حياة العندليب ورحلته من الطفولة الى بدايات الغناء الاولى الى ثورة تموز وحتى قمة الشهرة والنهاية المبكرة لمطرب عظيم. في نهاية آذار عام 1977 يودع عبد الحليم حافظ رمز الشباب الاول الحياة وهو في أوج عطائه الفني، هذا المطرب الذي عاش الالام والمعاناة ليتوجها فرحاً وحباً لجيل كامل ولد مع الثورة وآمالها وانكسر مع الهزيمة فكان صوت هذا العندليب الدافئ الاتي عبر مايكروفونات الاذاعة وسمر السينما هو البلسم لارواح منهكة مخذولة، عاشقة وضائعة،في نهاية آذار عام 2005 نودع احمد زكي اسطورة الاداء الاول وهو في قمة نضجه الفني، هذا الممثل الساحر الذي عاش هو الاخر مع الالم كان صورتنا بنحوله الذي يشبهنا وبسمرته وعكرة شعره بادائه الجميل عبر العشرات من الشخصيات التي اولها كان النسمة المنعشة التي ترطب ارواحاً انهكتها الحروب وذل الهزيمة وعيون ترقب الاتي بحب. حليم صوت شعب.... رثاء لجيل صنع حلم الستينيات الجميل ، ليصحو على كابوس الهزيمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram