سحبتني الباخرة بهدوء من ساحل هولندا الشمالي باتجاه جزيرة أملاند . شقت طريقها في الماء الذي بدا يندفع الى الخلف والجوانب مسبباً فقاعات ضخمة حلقت فوقها النوارس التي أراها من بعيد . مرت أربعون دقيقة حتى وجدت نفسي على ساحل الجزيرة الصغيرة الغافية وسط بحر الشمال ، حيث يقام هناك مهرجان (شهر الفن) السنوي على امتداد شهر نوفمبر كله . وهكذا بالإمكان مشاهدة أكثر من ألف عمل فني لمئة فنان تشكيلي تقريباً ، الأمر لا يكفيه يوم واحد للاطلاع على هذا الكم الكبير من الأعمال وعليك أذن أن تقضي بضعة أيام في الجزيرة لتتابع المعروضات والفعاليات وتتمتع بالأجواء الفنية هنا . هذا المهرجان يقام في شهر نوفمبر من كل سنة ويشارك فيه فنانون تشكيليون من هولندا وبعض الدول التي تقع شمال أوروبا مثل ألمانيا والدنمارك والسويد والنرويج . هي فرصة للاطلاع على النتاج الجديد لهؤلاء الفنانين الذين اختارتهم لجنة تنظيم المعرض والتمتع بتقنياتهم ومعالجاتهم ورؤاهم الفنية . كنت قد اشتركت في هذا المهرجان في دورة سابقة لهذا أعرفه جيداً وأعرف مجموعة من الفنانين الذين يسكنون في نفس الجزيرة ولديهم غاليرهات خاصة بهم ويستقبلون عدداً منقطع النظير من الزائرين أيام المهرجان .
لا عليك إذن سوى أن تستأجر دراجة هوائية حسب عدد الأيام التي تقضيها هنا كي يكون انتقالك بين الفعاليات الفنية والمعارض سهلاً وممتعاً في هذه الجزيرة الصغيرة التي يبلغ طولها 26 كيلومترا وعرضها يتراوح بين كيلومترين وأربعة كيلومترات فقط ، ويسكنها 3600 شخص تقريباً ، ويعود بناء أقدم بيت فيها الى خمسمئة سنة مضت .
نعود الى أعمال المهرجان التي توزعت على متحفي الجزيرة والغاليرهات الموجودة فيها وكذلك الكنائس وبلدية المدينة ،هكذا انتشرت المعروضات التي غطّت القرى الأربع الصغيرة التي تشكل الجزيرة ونهض المهرجان من جديد مثل كل سنة في نفس الوقت . هنا لا يبتكرون الجمال من خلال الأعمال الفنية فقط بل في الحياة أيضاً وعن طريق التعامل مع الناس القادمين بشغف للتمتع بالجمال ، فترى الفنادق كلها على الإطلاق خفضّت أسعار غرفها الى النصف وهكذا أيضاً عملت النساء المسنات وهن يهيئن الغرف الإضافية في بيوتهن لاستضافة من يحب سكناً رخيصاً وهادئاً . الأعمال التي تعرض كل سنة في المهرجان تمثل أنواعا متعددة من الفنون التشكيلية وبتقنيات مختلفة ، فإضافة الى الرسم الذي يمثل أساساً للمهرجان تقريباً فهناك أعمال النحت والزجاج والفوتو والكرافيك والسيراميك والأنستليشن والتخطيط وحتى الحلي .
تشاهد الأعمال الموجودة وتتعرف على فنانين كثيرين، تحاورهم على أعمالهم والمتريال الذي يستخدمونه في تقنياتهم ، وتتنقل بصحبة الناس الآخرين بين المعارض الفنية على الدراجات وكأنكم فراشات ملونة تطير فوق حديقة مليئة بالزهور . بعد كل هذه المشاهدات تعود الى مرسمك وأنت ممتلئ بما رأيت من أعمال جديدة لفنانين أنجزوها في وقت قريب ، تعود محملاً بكتب عديدة حصلت عليها من رسامين تعرفت عليهم تواً مثلماً أعطيتهم كتبك وتفاصيل عن أعمالك ، تعود الى حامل لوحاتك وباليت ألوانك ولديك أحساس عالي وطاقة جديدة لإكمال ما بدأته في الأسبوع الماضي وأنت تفكر بتلك الجزيرة الملونة بالبهجة وبناسها الطيبين وبهؤلاء الفنانين الذين عادوا الى مدنهم ومشاغلهم وهم يتطلعون الى يوم جديد أكثر أبداع ومتعة . أذن لا شيء مكتمل تقوم به وحدك فقط ، وعليك أن تفتح ذراعيك لتشارك الآخرين ابداعهم ويشاركونك أبداعك ،فالأشياء المدهشة هي التي نقوم بها معاً ، نشترك في انجازها وندفعها الى الأمام بكل محبة .
جزيرة الفن
[post-views]
نشر في: 7 نوفمبر, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...