TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > عبد الحليم حافظ: النائم الجميل مازال يوقظ احلامنا

عبد الحليم حافظ: النائم الجميل مازال يوقظ احلامنا

نشر في: 11 ديسمبر, 2009: 04:58 م

علي عبد الأمير عجاميحيل أثر المطرب عبد الحليم حافظ (توفي 30 آذار مارس 1977) الى مفارقة طبعت حياته وفنه في آن واحد : قوة في بناء اغنياته فكريا وموسيقيا تقابلها حال من التداعي والضعف في بنائه الجسدي. ولنأخذ اغنية "ضي القناديل" مثلا، ففيها تجسيد لمشاعر خاصة من مشهد عاشق منكفئ على خيبته،
 غير ان الحياة تنهض حوله ليجد مشاعره وهي تقوده نحو تطواف أبعد من الذكريات المتوقفة عند احساس الخيبة: ان هناك الكثير من الاشياء تدعو العاشق الى الحياة بقوة ، فيما اللحن في الاغنية مشغول بعناية وروحية آزرت كل مقطع في النص حتى الايماءات التي توحي بشارع فارغ في الليل. كما هي علامات قوة في التعاطي مع غناء نادر كان عبد الحليم يمثل صورة متقدمة منه، كما برزت في اغنية "المسيح" ففيها مزاوجه بين المعاني الكبيرة: الوطنية، التضحية والشخصي من المشاعر في لقاء قد لايتكرر مثيله في الاغنية المعاصرة. هناك "طريق الالام" و "القدس" في مشاهد للمسيح عبر اقدامه التي طبعتها وقطرات دمه ايضا. اغنية يصنفها بعضهم كـ "اغنية وطنية" غير انك تحبها كباقي اغنيات عبد الحليم العاطفية الخالصة، فيها رسم دقيق بالكلام وتجسيد لروح النص في لحن مؤثر . وعبد الحليم حافظ كان يأتي اغنياته من باب الوجل والقلق والخوف احيانا، من اجل ان تظل تلك الاغنيات مختلفة، وكان يولي امرها عناية فائقة: يتدرب كثيرا، يعيد، يدقق ليطلع بنتيجة تظل دائما تسجل علامات مختلفة على ماسبق من اغنيات. كان يحترم جمهوره وفنه، يعايش المفاهيم المولدة للتغيير، من هنا بدات مواظبته تيار الوعي الاجتماعي الذي تصاعد بعد تموز يوليو 1952 ، وسجلت اغنياته التي صاغها بكلام نادر الشاعر صلاح جاهين، قراءة واعية لفكر تلك المرحلة التي شهدت " قطيعة" اجتماعية وسياسية على الاغلب مع ايقاع الحياة مصريا وعربيا . وهذه المهمة لم تجد طريقها في اغنيات عبد الحليم بطريقة التسجيل المباشر والتقريري الفج للفكرة، بل صياغتها فنيا والعناية بصورة انسان تلك المرحلة وانفتاح الاغنية امام تيار تصويري للعوامل الفاعلة في تغيير المجتمع. ان اغنيات مثل "السد العالي"، "صورة" وغيرها، اغنيات "وطنية" حسب التسمية الشائعة لكنها اغنيات مختلفة، تعنى بفكرة الانسان وبيئته، احلامه وعاطفته الشخصية ايضا. بذلك اضاف عبد الحليم انجازا لم يكن قد تحقق من قبل في الاغنية العربية ، الا وهو صوغ اغنيات تتفوق على محدودية مفهوم الاغنية العاطفية. يمكن للناقد والمتابع لمسار اغنية عبد الحليم حافظ ان يجد ثلاث مراحل تميزها. الاولى تبدأ من اغنية "صافيني مرة" و"عشانك ياقمر" وصولا الى اغنيات فيلمه "الخطايا-1962" ، وفيها الشفافية والرقة الصافية لحنيا ومفردة غنائية وطريقة في الاداء. فعبد الحليم دخل الموسيقى العربية وهي تحث الخطى نحو بناء علمي راسخ تتكون على أساسه، وحين برز وهو لم يزل شابا، فذلك جاء إعتمادا على ما اظهره من دراية ومعرفة باساسيات الموسيقى كعلم ودراسة صرفة، اضافة الى موهبته ، وروحه الرقيقة التي سكبها في صوته، روحه التي كانت نشطه في تحويل المشاعر الى اغنيات، وصوغ الواقع بطريقة أقرب الى الاحلام، ولكنها أحلام لها نكهة محسوسة، اغنياته الاولى سكب فيها هوى الشاب القادم من ارض المعاناة: الريف والحرمانات والالم، فبدت تلك الاغنيات وكانها انفعالات تحاول التعويض عن ذلك الالم، بامتلاك سعادة تمتد بين اغنية واخرى. الارجح انها "رومانسية" تحاول ان تحلق بعيدا عن الوقائع العصيبة لذلك الولد الريفي، الذي طبع جسده بعلامة راسخة من تلك الايام (اصيب عبد الحليم بالبلهاريسيا القاتلة منذ مطلع حياته). أغنيات المرحلة الاولى هي لوحات صافية عن محبة تتفوق على الواقع، بكونها أمنيات للقفز من درجات السلم السفلي للحياة، والموسيقى في تلك الأغنيات مصاغة بطريقة تحفظ للكلام رقته. هنا لايمكن للمتابع الا ان يتذكر نموذجا لاغنية محبة رفيعة المستوى، كالذي تقدمه "انا لك على طول". ومالبثت ان انفتحت هذه المرحلة على مرحلة ثانية فيها تنويعات لحنية واختيارات جريئة لعبد الحليم في الموضوعات والقوالب الغنائية، وتميزت اغنيات مثل:"جبار"، "لاتكذبي"، و "بلاش عتاب" بنضج موسيقي قادر الى تجريب وانتقال من لحن الى اخر ومن جو الى اخر فهناك اغنيات مثل:"اعز الناس"، "ضي القناديل"،"الويل..الويل"، و"سواح". وكشفت أغنيات هذه المرحلة ايضا عن قدرة عبد الحليم في نقل شكل الاغنية العاطفية التي رسمتها اغنياته الاولى الى اشكال اخرى تقبل المغايرة والتلون مع ذائقة عصرها، دون الهبوط عن المستوى الذي حققته في الجودة. اغنيات المرحلة الثانية لعبد الحليم حسبها بعض النقاد هبوطا في فنيته ومستواه المعهود ، ولكنها من ناحية اخرى انتقاله لذلك المستوى الى فضاء تعبيري اخر، ومن يتابع اغنيات اخر هذه المرحلة "جانا الهوى" واغنيات مثل "احضان الحبايب" و"ياخلي القلب" يجد ان عناية الاغنيات بموض

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram