أسعار النفط الخام تتدهور الى مستوى 80 دولاراً وأقل للبرميل بعدما حلّقت لفترة غير قصيرة فوق مستوى المئة دولار .. ليتها تنزل الى 50 دولاراً، وحتى الى عشرة دولارات.. إذا ما تحقق هذا ستحلّ بنا كارثة.. هذا مؤكد، لكنها ستكون وقتية، فالإنسان بطبيعته قادر على التكيّف مع بيئته، وقادر على تكييفها لصالحه.
ذات يوم كنا نعيش حياة أفضل من حياتنا الراهنة عندما كان سعر برميل النفط لا يتجاوز 13 دولاراً.. كان ذلك في زمن حكم البعث عندما وصل دخل البلاد من مبيعات النفط الى نحو عشرة مليارات دولار سنوياً.. بل ان آباءنا وأجدادنا يرون ان حياتهم كانت أفضل من حياتنا الراهنة ومن الحياة في زمن البعث يوم كان سعر البرميل لا يزيد الا قليلاً عن دولارين اثنين ومعدل العائدات السنوية من النفط بحدود 140 مليون دينار فقط .. كان ذلك في العهد الملكي الذي بتلك العائدات الشحيحة أنشأ أهم مؤسسة في تاريخ العراق الحديث، وهو مجلس الإعمار الذي يعود إليه الفضل في إنشاء أكثر المشاريع التنموية أهمية، كالسدود والموانئ والطرق والسكك الحديد وسواها.
أزمة النفط بعد حرب 1973 العربية – الإسرائيلية دفعت بأسعار النفط الى ما فوق العشرة دولارات للبرميل، ما أطلق العنان للجنون الدكتاتوري في العراق وفي دول نفطية أخرى كانت محكومة بأنظمة "ثورية"، فتحوّل النفط الى وبال على شعوب هذه الدول .. الآن نحن نعاني مما يماثل تلك الحال، فوصول عائداتنا النفطية الى حدود 100 مليار دولار سنوياً، نجم عنه تكالب ضار على المال والسلطة والنفوذ، وصراع متوحش على المناصب التي غدا كلّ منها بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً.
هذا القتل اليومي على الهوية، وهذه الحرب ذات الطابع الطائفي، وهذا التسعير في الخطاب السياسي والإعلامي، يقف وراءها جميعاً الطمع المتوحش في المال العام السائب.
أحدث التقارير الدولية عن حالنا في ظل المئة مليار دولار سنوياً يفيد باننا في آخر قائمة الدول المزدهرة والشعوب المتمتعة بالرخاء، أي اننا لا نعرف للازدهار والرخاء أثراً بالرغم من نفطنا وغازنا (المحترق) ونهرينا وأرض سوادنا. مؤشر معهد ليغاتم (Legatum Institute) البريطاني يضعنا الآن في المرتبة 128 بين 142 دولة على صعيد الازدهار والرخاء. اننا نأتي بعد جيبوتي وموريتانيا اللتين لا تنتج أي منهما برميلاً واحداً من النفط في يابستهما أو بحارهما.. جيبوتي تعيش على الملح ومينائها الصغير، وموريتانيا على صيد السمك وبعض المعادن الخام.
ليذهب الى الجحيم هذا النفط الذي لم تتعدَ عائداته الحقيقية في السابق الدكتاتوريات المتوحشة وحروبها الداخلية والخارجية المدمرة، ولا يعود علينا الآن الا بالصراع السياسي – الطائفي المهلك، فها هي الحكومة الجديدة لا ترث من سابقتها غير خزينة خاوية تماماً، وحشد مهول من المشاكل والأزمات والمحن التي ليس بوسع أية دولة أخرى أن تتحمل واحدة منها.
نعم، لتتدهور أسعار النفط أكثر من أجل أن يتوقف هذا التكالب على المناصب العامة ولكي نعود الى الرشد، والى زراعتنا التي كنّا قبل أن يحرقها النفط على قدر من الازدهار والرخاء.
الجحيم .. أيها النفط
[post-views]
نشر في: 7 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
بغداد
اذهبوا الى بروتوكولات معاهدا سايكس بيكو وركزوا على ما جاء بها وبحذافيرها وبالتفاصيل ومن هناك سوف تفهمون اللعبة اوي اوي اوي ؟!؟؟
محمد سعيد العضب
عندما يتم باصرار وبسبق اصرار وجهل مطبق تغييب مجتمع وامه وجعلها فقط تؤمن ان مورد النفط المحكوم من قوي قاهره هو فقط ملاذ حياتها وديمومتها , بالتالي اصبح العمل والمبادره والاجتهاد سلعه باره في سوق غير مجزي خارج فعل النفط وارباحه الوفيره . هكذا ي