منذ شهور واهالي نينوى وصلاح الدين والانبار يطرحون سؤالاً محيراً: ايران ودول حلف الناتو ساعدوا بغداد واربيل في مواجهة داعش. مقاتلو الاكراد من ٤ بلدان يتعاونون لصد التنظيم المسلح في مناطقهم. ٦٠ الف متطوع شيعي جمعتهم المرجعية لحماية مدنهم المهددة. وفي الوقت نفسه، فان بغداد لا تسمح بأن يحصل اهل المحافظات السنية على دعم امريكي. ولا تسمح بان يحصلوا على دعم اقليمي. كما ان الحكومة المركزية لا تزال متشككة ومترددة في تقديم اسناد فاعل لمقاتلي العشائر السنية الذين يتعرضون للقتل على يد ذباحي"الخليفة"، وكيف ينبغي علينا ان نتفهم ذلك والى متى؟
ثم اننا لم نحصل بعد على مؤشرات متكاملة عن تغيير في الموقف، رغم ان اشياء كثيرة تقول ان العبادي لايزال يبحث في"خزانة الاموال الخاوية"عن تمويل لمساعدة السنة. لكن الاشارة الجديدة جاءت من مقتدى الصدر، الذي التقى مؤخرا ممثلين عن عشائر الانبار وخصوصا عوائل البونمر الذين تعرضوا لمحنة رهيبة، وسجلوا قبل يومين شهاداتهم لمراسل رويترز، التي وصفت كيف حاولت نساؤهم واطفالهم الفرار من داعش في البراري والاختباء بين الادغال، لكنهم فشلوا وذاقوا الموت ببنادق"دولة الخلافة"عقابا لمن يرفض"البيعة".
اللقاء بين الوجهاء وزعيم التيار الصدري تطرق الى السؤال الذي بدأت به حديثي اليوم: ماذا نصنع نحن الانباريون، وبغداد لا تسلحنا، وترفض ان يتولى تسليحنا الاميركان او العرب، كما تعجز عن حمايتنا من بطش داعش؟
الجواب جاء على لسان الصدر كما ينقل مقربون منه: ساطلب من كتلتي النيابية ان تضغط سياسيا لدعمكم، وازيد على ذلك بان اتقاسم معكم المال والسلاح المتوفر لدى سرايا السلام (القوات التابعة له) واذا شئتم ولم تكن هناك حساسية من الاهالي في مناطقكم، فانني اتقاسم معكم الرجال المقاتلين ايضا.
وبالطبع فان ارسال الفي مقاتل من سرايا السلام طبقا للانباء المتداولة، لن يحدث انقلابا سريعا في الميزان العسكري، لكن اللقاء والمبادرة يشجعان على ان نرى حجم الفرصة المتاحة داخليا، لتبديد الشكوك، وتحديد الاخطار المشتركة، والاستعداد لمعارك يضحي فيها المقاتل السني الى جانب اخيه الشيعي، لا لهدف حالم او رومنسي، بل لان هذا ما كان يجب ان يحصل منذ وقت طويل، كي نمنع الخصوم من سرقة استقرارنا النسبي الذي كان، والسخرية منا بهذه الطريقة المروعة خصوصا في الشهور الخمسة الاخيرة.
الحوار الذي جرى بين الانباريين والصدر، خطوة مهمة لا بالنسبة لزخم المدفعية والراجمات والدروع، بل لمساعدتنا في ان نفهم اهمية اللقاء الدائم وسط الازمات، وان نتقابل وجها لوجه ونضع مخاوفنا ونتائجها وفواتير الدم، على طاولة الصراحة، ونحاول التصرف كحكماء يحصنون الاهداف المتعقلة، من اثار الانفعالات المجنونة التي خربت او كادت، كل شيء، شيعيا وسنيا، وجعلتنا نتاخر ونتلكأ فندخل اخدود مشاكل عميق وملتوٍ ليس من الواضح سبيل الخروج الآمن منه.
ليس جديدا ان يكون الصدر اول المبادرين لخطوة ساندة كهذه، تضع الشكوك على جنب، وتغامر لبناء الثقة، ففي زمن"عنتريات المالكي وفقاعاته"كان الصدر اول من خاطب معتصمي المحافظات الساخنة، وأيد جزءا اساسيا من مطالبهم، ودعا الحكومة لخوض حوار جاد معهم، قبل ان يستغل الارهاب ذلك المناخ المتشنح. وقد تحمل الصدر الكثير من الاتهامات يومذاك، ويبدو انه سيتحمل الكثير اليوم ايضا. كما ان الوجهاء السنة الذين ذهبوا اليه ويريدون ان يبدأوا عملا مشتركا معه، سيتحملون تخوينا واتهامات شتى.
خطوة الصدر التي لا نعلم على وجه الدقة ما انتهت اليه من اتفاقات، كفيلة بتشجيع باقي الاطراف في التحالف الوطني، لتقديم اجابة على"السؤال السني"الذي بدأت به حديثي اليوم. وعلى اساس ذلك سنساعد انفسنا على تلمس ملامح اي تسوية سياسية يمكنها تحصين جبهة الداخل بنحو متعقل، لتوقي نتائج جنون بلا نهاية يعصف بهذا العراق المذبوح من اقصاه الى اقصاه.
الصدر وأسئلة الانباريين
[post-views]
نشر في: 8 نوفمبر, 2014: 09:01 م