اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > فـي مدارسنا مرشد تربوي .. هل تصدقون ؟

فـي مدارسنا مرشد تربوي .. هل تصدقون ؟

نشر في: 9 نوفمبر, 2014: 09:01 م

وجه شاحب تعلوه نظرات ساهمة، خطوات بطيئة مترددة، تلك هي صفات الطالبة ' أماني' ، والتي باتت تمثل هويتها المميزة بين زميلاتها في المدرسة، حيث وبسبب حالتها النفسية فقدت خلال سنة واحدة التواصل مع اغلبهن.'أماني ' كانت فتاة طبيعية لاتعاني من أية علة ،لكنه

وجه شاحب تعلوه نظرات ساهمة، خطوات بطيئة مترددة، تلك هي صفات الطالبة ' أماني' ، والتي باتت تمثل هويتها المميزة بين زميلاتها في المدرسة، حيث وبسبب حالتها النفسية فقدت خلال سنة واحدة التواصل مع اغلبهن.
'أماني ' كانت فتاة طبيعية لاتعاني من أية علة ،لكنها تعرضت برفقة عائلتها لحادث اطلاق نار أودى بحياة شقيقها الصغير فورا والبالغ من العمر ٤ سنوات ، وتسبب كذلك بإصابتها بجراح طفيفة ، شفيت منها ، لكنها ظلت تكابد آلاما نفسية صعبة الشفاء.
في الصف ، امسى مكان جلوسها خاليا ، الا منها ، بسبب الأعراض التي تداهمها بين فترة واخرى, حيث الهيستيريا والبكاء المفاجئ , ما أدى الى ان تطلق عليها تسمية ، هي الأكثـر شيوعا في حالات مشابهة لحالة أماني، 'مخبلة'.

الوالدة وجحيم الفقدان 
في البيت، المعاملة الخاصة التي تتلقاها أماني فيه ، أصبحت تتعارض مع ما يواجهها من صعوبات في المدرسة , حيث الرفض والقطيعة تارة, او الشفقة تارة اخرى.
والدة أماني التي كان يعتصرها الألم طيلة فترة حديثها عن ابنتها وعن مستقبلها المجهول, القت باللائمة على المجتمع والبيئة التي لا تحتضن حالات مشابهة ولا تسهم في توفير بيئة صحية يتجاوز من خلالها العليل علّته.
" لن ألوم القدر الذي اختطف فلذة كبدي (محمد), فقد فوضت امري الى الله واحتسبتُ دم ولدي عنده, لكنني سألوم الظرف الذي يمنع ابنتي من إكمال حياتها بصورة طبيعية رغم انها بحاجة ماسة لان تمضي قدماَ، اذا أخذنا بنظر الاعتبار ما مرت به وماكابدناه معاً، حيث كانت اخر من احتضن( محمد) في اخر لحظاته ."
وتتابع بمزيد من الألم : " لو كانت البيئة العراقية تتعامل مع حالة كحالة أماني بشيء من الوعي , لما وصل الحال بابنتي لما هي عليه, ولما رفضت إكمال دراستها والبقاء حبيسة جدران منزلٍ، بات كئيباً هو الآخر. "
المرشد التربوي .. دور حقيقي أم هامشي؟ 
أماني رفضت التحدث ، وفي حالة كهذه يكون من السهل على الباحث عن أجوبة اللجوء لأطراف أخرى تكون بتماس مع الحالة، وليس هناك افضل من البيئة المدرسية مرآةً تعكس الصورة الحقيقية لما يكابده المراهق، وربما يكون الدور الاول هنا للمرشد التربوي باعتبار ان وظيفته الأساسية هي الاستماع لمشاكل الطلبة ومحاولة التدخل لإيجاد حلول مناسبة لها، او تذليل الصعوبات أمامه .
بنظرة خاطفة يمكن للمتابع التصور ان ماذكر أعلاه قد لا يمثل حقيقة مايتم تطبيقه فعليا في المدارس العراقية ، نتيجة لعدم فهم بعض المرشدين ومدراء المدارس لعملية الإرشاد التربوي لأسباب عدة قد يكون من أهمها ضعف التوجيه والإعداد المسبق. 
عن ذلك تتحدث المرشدة التربوية ( ب. ع ) في تصريح للمدى قائلة ان" المرشد التربوي في المدارس لا يمارس دوره الفعلي بصورة حقيقية ، حيث لا تتعدى المهام التي يقوم بها الإشراف على الحالات المرضية الطارئة، وإرسال الإخطارات لذوي الطلبة المشاغبين او المتغيبين عن الدوام اليومي ، بمعنى انه يقوم بواجبات محددة لملء فراغ وظيفي اغلب الأحيان"
وأضافت ' غالبا مانواجه حالات مستعصية - كحالة أماني - تتطلب تدخلا وإمكانات اكبر من المتوفر، خصوصاً ان أعداد الموظفين في المدارس لا يتناسب وأعداد الطلبة الكبيرة، وقد طالبنا الوزارة لأكثر من مرة بتوفير فرص لإيفادنا خارج العراق للاطلاع على الأساليب والطرق المستحدثة في مجال الإرشاد التربوي للإفادة منها لاحقا في مدارسنا او تعميم كتب رسمية تتضمن تعليمات للتزاور بين المدارس داخل المحافظة ."
وأكدت : ' نعاني من التجاوز على حقوق الطلبة في الحفاظ على سرية مشاكلهم النفسية، حيث من الممكن ان يتسبب ذلك بان يتم تناول تلك القضايا بصورة سلبية بين أوساط الطلبة والمدرسين بما ينعكس سلبا على التقدم في الحالة'. 
وأردفت : ' طالبنا بأجهزة حاسوب للمساهمة في تخزين المعلومات، بدلا عن استخدام الأساليب القديمة كالسجلات والملفات التي تنتهي الى سلة المهملات ."
برامج إرشادية حديثة 
قد تكون المعوقات التي تقف بوجه تطوير قطاع الإرشاد التربوي في المدارس كثيرة، لكن وبحسب مختصين فإن من أكثرها تأثيرا هي كون هذا القطاع جهة غير رقابية، خاضعة لأوامر وإدارات المدارس وسلطات المدير اضافة الى ان بعض المرشدين أنفسهم لا يعرفون تماما طبيعة مهامهم. فتارة يكون معاوناَ وتارة يشغل الفراغ في الأعمال الكتابية وتارة اخرى يكون محاسباَ او أمين مخزن !
على الصعيد نفسه ، ذكر الدكتور قاسم محمد صالح في تصريح للمدى ان" واقع المرشد في العراق يعد مختلفاً مقارنة بما شاهدته في دول عربية اخرى ( الإمارات مثلاَ) ،، فالكثير منهم يكلف بمهام لا تتعلق باختصاصه ' ادارة الحانوت المدرسي مثلا! '"
وأضاف ان ' العملية الإرشادية في معظم المدارس شكلية ، فيما النظام الجديد صار يتعدى النصح والإرشاد الى برامج إرشادية أثبتت فاعليتها ومنها :
١ـ برنامج نظام الشرف، والذي يقوم على استخدام أسلوب التأديب عن طريق تعليم التلاميذ أسلوب الضبط الذاتي.
٢ـ برنامج الانضباط مع الكرامة، ويعني إيقاف المخالفات السلوكية عندما تحدث دون التعرض لكرامة التلميذ.
٣ـ برنامج التلاميذ المشاكسين، وهو خاص بمن يتصف بالعدوانية وعدم التفاعل مع الدرس ، ويركز كذلك على تحسين المهارات الدراسية.
٤ـ برنامج البحث عن المهارات وهو خاص بالتلاميذ الذين يحتاجون للرعاية ويعانون من مشكلات معينة او عدم انضباط، ويهدف لغرس احترام الذات وتأمين لقاءات مع شخصيات هامة في المجتمع.
ويرى د. قاسم ان ' الامر يحتاج الى ان تقوم وزارة التربية بدورات تدريسية (ورش عمل) للمرشدين، يتعلمون من خلالها أساليب الإرشاد وبرامجه الحديثة، سيما واننا نعيش في مجتمع تسوده ثقافة العنف ما يتطلب جهوداَ ونشاطات جدية من قبل وزارة التربية بالتعاون مع أقسام الإرشاد النفسي. وقد عقدت الوزارة وبالتعاون مع منظمة اليونسيف خلال الاسبوع الماضي مؤتمرا وطنياَ للتربية الايجابية'.
واختتم بالقول' نحن في الجمعية النفسية العراقية مستعدون دوما لتقديم يد المساعدة وتوفير كل الوسائل الممكنة من اجل الارتقاء بواقعنا الاجتماعي والتربوي '.
' منذ ست سنوات، نحن معا '
(هبة )، الرفيقة والجارة، اعتادت صباح كل يوم المرور بأماني واصطحابها الى المدرسة، غير آبهة بآراء زميلاتها ممن اخترن الانسحاب على الاستمرار بصداقة قد تجلب لهن المتاعب! 
"أماني لاتشكو من شيء، انها خائفة فحسب " ، هذا ماقالته هبة ، وأضافت ' انها تخشى الكلام السيئ ونظرات الخوف منها والتي تقرأها في عيون الاخرين، وتخشى كذلك ردود الأفعال السلبية التي تبدو في ملامح المدرسات حال معرفتهن بحالتها."
هذا مارددته هبة ، وتابعت "لازلت اذكر حادثة جرى فيها الصراخ بوجه أماني من قبل احدى المدرسات والتي لطالما اتهمت أماني بالكذب وادعاء المرض، انفجرت غاضبة لأنها لم تكن تعلم بحقيقة ماتعانيه حيث تضطر احيانا الى الصمت وعدم الرد على الاسئلة الموجهة اليها، ما تسبب في تدهور حالتها وتعرضها لحالة هستيرية انتهت بمغادرتها المدرسة وتغيبها عنها لثلاثة ايام متواصلة."
واكملت ' لاكثر من مرة حاولت مطالبة المرشدة التربوية في مدرستنا بآن تقوم بدور اكبر عبر توجيه طالبات الصف وتنبيههن لحالة زميلتنا اماني، لكنها غالبا ما كانت تعتذر بسبب انشغالها بآعمال كتابية او سد شاغر ما، او قد تكتفي بطردي من غرفتها وحسب. '
رأي وزارة التربية 
بحسب احصاءات سابقة ، وجد ان ما يقرب من ٣٠ بالمئة من حالات ترك مقعد الدراسة تعود أسبابها الى ضغوط وعوامل نفسية ، وهو مايؤكد أهمية المرشد التربوي ودوره البالغ في تغيير مجريات الأحداث .
وعن دور الوزارة في دعم قطاع المرشدين التربويين قالت سلامة الحسن المتحدثة باسم وزارة التربية في حديث للمدى ' ان للمرشد التربوي دورا مهما كونه الشخص الأقرب للطالب وبتماس مباشر مع مشاكله الشخصية ، حيث ولأهميته تسعى وزارة التربية جاهدة لتوفير احتياجاته وتأهيله بما يتلاءم مع حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه'.
وأضافت : ' تعمل وزارة التربية وضمن خططها وبرامجها للفترة المقبلة على زيادة أعداد المرشدين التربويين لتشمل قطاع التعليم الابتدائي وحتى رياض الأطفال، إضافة لدراسة موضوع الايفادات لداخل و خارج العراق لغرض تبادل المعلومات والاستفادة من الخبرات '.
 
عيادة نفسية في كل منطقة سكنية ! 
موضوع أماني يمثل واحدا من آلاف المواضيع التي تواجه المجتمع العراقي بشكل عام وشريحة المراهقين بشكل خاص ، حيث طالت يد الإرهاب اكثر مفاصل المجتمع حساسية، وجعلته نهبة للخوف والقلق المستمر او أعراضا لمشكلات نفسية غالباَ مايجهل اصحابها طبيعة حالتهم .
إذن ، هل نحن بحاجة لزيادة أعداد المرشدين التربويين؟ ام ان على الوزارة الاهتمام بتدريب وتأهيل الأعداد الموجودة حالياَ؟ 
ام الاكتفاء بتنبيه إدارات المدارس لمهام المرشدين التربويين من خلال كراسات خاصة او 'كتيبات 'من شأنها المساهمة في التعرف على طبيعة دوره المحوري وأهميته في العملية التربوية ؟ ، قد تكون هذه مجرد أسئلة ، لكنها أسئلة ربما تحمل بين طياتها حلولاَ ما، او أنصاف حلول.
'أماني'ما زالت تعاني من تأثير الحبوب المهدئة والتي تتناولها بانتظام ، حيث عدّ اطباؤها العارض الذي تمر به مؤقتاً، وبإمكانها تجاوزه لو توفرت لها الظروف والبيئة المناسبة لذلك، بيئة المنزل والمدرسة ولا شك .
' انتظرها يوميا' ، قالت والدتها وأكملت : "انتظرها عند باب المدرسة بشكل يومي وقبل انتهاء الدوام الرسمي بساعات، لا يمكنني الدخول فاضطر للانتظار خارجاَ، اما ادارة المدرسة فهي متعاطفة معي ، لكنها لا تستطيع تقديم شيء اكثر من ذلك."
كم مرشداً اجتماعياً لدينا؟ 
حاولنا ان نقف على احصائية دقيقة عن عدد المرشدين التربويين في مدارسنا فكانت الأرقام متضاربة البعض اكد ان العدد تجاوز الألف .. فيما أكدت مرشدة تربوية في احدى المدارس ان العدد تقلص في السنوات الاخيرة كون وظيفة المرشد التربوي لم تعد مهمة ولا يوجد لها تعريف واضح .. وبرغم صدور قانون عام 1996 بوضع ضوابط لعمل المرشد التربوي وتحديد مهامه ، لكن القانون للأسف منذ سنوات تحول الى مجرد ورقة غير معترف بها .. في الوقت الذي تؤكد فيه الاحصائيات التي تصدرها المنظمات الدولية ومنها منظمة اليونسيف، ان العمليات التعليمية لمرحلتي المتوسطة والإعدادية تحتاج الى باحث اجتماعي لكل خمسة طلبة، ويكون هذا المشرف الاجتماعي حاضرا في حياتهم اليومية ومساعدا لهم سواء في البيت او المجتمع ومنح روح التفاؤل لهم وجعلهم الأصلح داخل المجتمع!
تجارب عالمية 
في الصين ، تبدو العملية اكثر تقدما ، اذ خصصت المؤسسات التعليمية مشرفا تربويا واجتماعيا ، هذا غير المعالج النفسي واحد لكل ثلاثة طلبة وهذا يعني ان المدرسة التي يكون عدد طلابها مئة طالب تحتاج الى ثلاثة وثلاثين مشرفا اجتماعيا . وبالنتيجة يعني ان عدد الأسرة التعليمية سوف يساوي عدد الطلبة او هو اقل منه بقليل!!. فيما وضعت بريطانيا نظاما متطورا للإشراف التربوي يقوم فيه المشرف بمتابعة حالة الطالب حتى في البيت . وفي البلدان العربية هناك تجارب متطورة ابرزها في المغرب حيث خصصت الجهات التربوية مشرفا اجتماعيا لكل مدرسة يتواجد يوميا ليسهم في إيجاد الحلول للمتعثرين دراسيا او من يتعرضون لبعض الردود النفسية الاجتماعية!!
في لبنان ألزمت وزارة التربية المدارس الأهلية ايضا بوجوب وجود المرشد التربوي داخل المدرسة، وكذلك المدارس الحكومية لما له من دور في تذليل بعض العقبات التي يتعرض لها الطلبة!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram