إبان الحكم الملكي في العراق، وفي عهد المرحوم نوري سعيد، بالذات، رويت هذه الحكاية الحقيقية. دون رتوش او مبالغة....
في سوق شعبي للسمك بالبصرة، شوهد رجل جلل الشيب شعر رأسه، يتلمس ذيل سمكة، ثم ينحني ويتشمم رائحته، قبل ان يضرب كفا بكف، ويهم بمغادرة المكان، زجره البائع. وسخر من فعلته المشترون، قبل ان يبادره احدهم: ايها الشيخ المغفل.. تعودنا فحص السمكة من رأسها! والحكم على جودتها من حمرة غلاصيمها القانية، وما الفنا فحص السمكة من جانب الذيل!؟
اجاب الرجل الوقور: يا جماعة، انا متأكد من فساد الرأس، وما إقدامي على تلمس وتشمم الذيل الا للتأكد من ان الفساد والعطن لم يبلغ (يصل) موضع الذيل بعد.
تذكرت هذي الحكاية التي كثيرا ما تروى للإشارة على فساد الأمور ابتداء من سمت الرأس حتى اخمص القدم، وتتجسد الصورة مكبرة وبالالوان، كلما شهدت ورأيت وسمعت عن فواجع الفساد، وتفشي الرشى، وفرض الإتاوات، سيما في الدوائر الخدمية، الإلزامية (الكوميشينات) في المؤسسات التجارية ومديريات العقود في الوزارات –لا يستثني منها احدا –
اذا تخاصم اللصوص وتنازعوا حول اقتسام الغنيمة، ظهر المسروق،
الاتهامات وشبهات الفساد التي تظهر على القنوات الفضائية، بين هذا وذاك، وهذي وتلك، الاتهامات المضادة علامة من علامات السقوط الوشيك، ولا يشفع للدولة بالنجاة من المرتع الوخيم، الا بإرادة وطنية عليا، حكيمة حازمة، جازمة بتفعيل القوانين الجزائية – المعطلة- ورد الاعتبار لهيبتها وسطوتها وسريانها على الجميع دون استثناء او شفاعة، وتدارك نزاهة القضاء بدرجاته البداءة والاستئناف والتمييز وتصحيح القرار.
وبغير هذا.. سنظل نلوك مآسينا واحزاننا كما نلوك (العلكة) ونظل كذاك الرجل الأشيب نتلمس ونتشمم السمكة من ذيلها، لنتأكد ان العطن والفساد الذي أصاب الرأس، لم يتفش (ى) في عموم جسم السمكة ويبلغ حد الذيل.
السطور ليست شخصية، فالكل متهم، والكل بريء حتى تثبت إدانته.
الى اخمص القدم!
[post-views]
نشر في: 9 نوفمبر, 2014: 09:01 م