لم نبلغ بعد المستوى من التحضّر والتطور الاجتماعي بما يكفي للتعويل على نتائج استطلاعات الرأي التي تجريها منظمات مدنية من آن لآخر، فحتى لو كانت نوايا القائمين على الاستطلاعات طيبة ومساعيهم لتحقيق النتائج المُبتغاة جدّية، ثمة مشكلة حقيقية تتمثل في أننا لم نتحرر تماماً من الخوف الداخلي لنقول الرأي بصراحة وصدق، فضلاً عن تدني الوعي بأهمية استطلاعات الرأي.
مع ذلك فأن الاستطلاعات التي تقوم بها منظمات موثوق بنزاهتها ومقاصدها تُعين في الإفادة من مؤشراتها، وبخاصة بالنسبة للقوى السياسية والاجتماعية المهتمة بأمر التغيير في حياتنا للوصول الى صيغة التعايش الاجتماعي الكفيلة بتحقيق السلم الأهلي المفتقد والتنمية المستدامة المتعثرة.
مركز المعلومة للبحث والتطوير في بغداد أعلن السبت الماضي عن نتائج استطلاع أجراه بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، حول "مشاركة الشباب السياسية"، وقد وجدت أن النتيجة الأهم التي كشف عنها الاستطلاع هي ان شبابنا يقبلون على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات والمواقع الالكترونية أكثر من غيرها من الوسائل في نشر وتبادل الآراء والأفكار وطرح المشاكل (نسبة 58%)... هذا مؤشر فائق الأهمية اذا ما أخذنا في الحسبان التدهور المستمر والمتفاقم للأوضاع الأمنية، وتردي الخدمات العامة وفي مقدمها الكهرباء، والمستويات العالية للفقر والبطالة.
القوى السياسية الوطنية، وبخاصة الليبرالية، معنية قبل غيرها بالتفاعل مع هذه النتيجة، لأنها لم تزل تعوّل كثيراً على وسائل الاتصال والتواصل التقليدية (الاجتماعات والمطبوعات)، ظانةً ان النجاح في هذا الميدان كاف للتأثير في المجتمع.
في غمرة الحرب الدولية الدائرة الآن ضد داعش، توصل المختصون الى ان هذا التنظيم الإرهابي يبدي مهارة فائقة في الحرب النفسية الإلكترونية، فهو يوظف خبرات وكفاءات عالية المستوى في هذا الميدان، ما يحقق له أهدافه في نشر الرعب من جهة وفي اجتذاب المتطوعين من الشباب إلى صفوفه.
أقل ما يمكن قوله في النشاط الإلكتروني للقوى والمنظمات التي وصفها الاستطلاع بانها "ديمقراطية وعلمانية" انه بائس لأنه يفتقد إلى عنصري الجاذبية والحيوية اللذين يتميز بهما نشاط القوى والمنظمات التي توظف الدين والطائفية السياسية، وبالأخص القوى السلفية المتطرفة ومنها داعش.
شبابنا متروك رغم أنفه لهذه القوى لكي تؤثر فيه سلبياً بأحدث الوسائل والأساليب، ما ينجم عنه التراجع المتواصل في وعي الشباب والقبول بالأفكار المتطرقة المدمرة، وهو ما يشجع عليه الشعور العالي بالإحباط في صفوف الشباب، فنتائج الاستطلاع تشير إلى أن الشعور بالإحباط يصل الى نسبة تقترب من 80 بالمئة، وهذه نسبة مهولة في الواقع تجعل الشباب ميداناً مفتوحاً من كل الجهات لأكثر الأفكار تطرفاً وتدميراً، ذاتياً ومجتمعياً.
شباب متروك للخراب
[post-views]
نشر في: 9 نوفمبر, 2014: 09:01 م