لا أتذكر أنني دخلت مكتبة عامة، صغيرة أو كبيرة، في بغداد عدا المكتبة المركزية لأعد تقريراً فصلياً طلبه أستاذنا، وقتها، المرحوم الدكتور عبداللطيف الراوي.. عن الشاعر الشريف المرتضى!
في دمشق، كانت مكتبة الأسد، أول مكتبة عامة أدخلها.. عام 1983 بعد عودتي من كردستان.
اختلف الأمر كثيراً في لندن التي أقمت فيها منذ عام 1992 لأن المكتبة العامة من المرافق الأساسية في كل مدينة، صغرت أم كبرت، حيث المكتبة تكبر بالناس وتصغر بهم، أعني بأعدادهم.. المكتبة العامة ضرورية مثل المشفى ومكتب البريد والمصرف والسوق المركزي، وهي مرافق ومنشآت لا بد منها في كل قرية هنا، ببريطانيا.
مكتبة المحلة (الحارة) في الضاحية الصغيرة South Ruislip حيث أقيم، الآن، مكتبة محلية متنوعة لكنها مكثفة لتلبية الحاجات الأساسية للسكان والطلبة والتلاميذ، لذا لم تشبع تطلعي إلى تنوع أكبر في خيارات القراءة للكتب الأدبية والفنية (كتب الشعر وعنه هي الأقل) كما هي حال المكتبة المركزية في المدينة الأم التي ترتبط بها محلتنا بلدياً، والواقعة على ما يقرب من خمسة أميال.. رغم أنني سألت الموظفة عن عدد الكتب الموجودة فضحكت مع شيء من الإحراج قبل أن تجيب: لا أدري.. سأسأل.
لكنني قدرت أنها تحوي أكثر من ألف كتاب بينها 250 كتاباً سمعية فقط!
إن صغر المكتبة لا يعني أنني لم أجد ما أقرأه، بل ثمة عشرات الكتب المهمة، بما فيها الكتب التعليمية المبسطة للطلبة أو الفتيان. ثمة كتاب، مثلاً، عنوانه (شكسبير – قراءة سهلة) أما الكتاب الذي استعرته، قبل أيام، فهو كتاب أكاديمي معد، أيضاً، للطلبة لكنني وجدت في عناوينه الداخلية ما أغراني باستعارته، رغم طابعه التعليمي إذ وجدت فيه ما لم أجد من تلك المبادئ الأساسية التي تتجاهلها الكتب الضخمة، عريضة المنكبين وقوية الشكيمة، التي تفترض بالقارئ تجاوز تلك المبادئ، على أن القارئ، نفسه، يظن أنه تجاوزها فعلاً. عنوان الكتاب (دراسة الأدب الإنكليزي).. وبما أنني لست دارساً للأدب الإنكليزي (سوى كورس جامعي لمدة عام واحد فقط) فقد وجدت فيه ما ينظم معلوماتي ويذكرني بما أعرف، أو يرتب لي ما اختلط في أرشيف ذاكرتي من معلومات بشأن أحد أهم الآداب العالمية، وقبل ذلك: المعرفة الجديدة التي أضافها لي هذا الكتاب الصغير الذي لا يتجاوز عدد صفحاته 172 صفحة من القطع المتوسط لمؤلفه توري يونغ.
عدت إلى البيت بعد ساعتين من الفرجة والتصفح والقراءة ثم الاستعارة لأبحث عبر النت على مكتبة المحلة هذه فلم أجد ما يجيب سؤالي حول عدد الكتب، مثلاً، أو متى تأسست، رغم الأبواب العديدة التي تضمنها موقعها على الشبكة الإلكترونية، ومن بينها أفلام تسجيلية قصيرة للتعريف بالمدينة وضواحيها منذ عام 1929 لأكتشف أمكنة للنزهة والأرياف المحيطة بها وأهم الأحداث التي مرت بالمدينة حتى ظروفها أثناء الحرب العالمية الثانية واحتفالات ذكرى تتويج الملكة اليزابيث الثانية، على أن ثمة معالم قديمة ما زالت كما هي، لكنها رممت أو جددت، كما تبدو الآن، والحياة العامة إلى تجدد من حيث تخطيط الشوارع ورسم حركة المرور فيها وأزياء الناس، مثل أي مدينة تتطور وفق ظروف طبيعية، فالتبدلات الجوهرية لا تنسف القديم بل تبقي على ميكانيزمه وروحه الأصلية مهما تغيرت الأشكال والتصاميم والديكورات من العمارة حتى أراجيح الأطفال.
كانت مكتبة المحلة، إذن، مدخلاً لأكتشف المدينة كاملة.
مكتبة المحلة
[post-views]
نشر في: 10 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
kais latif
موضوع ممتع ...العزيز عواد ناصر