اول مرة اكتشف سرعة الانترنت الكبيرة"خدمات الجيل الثالث او الثيرد جنريشن"التي يتيحها سم كارت عادي في الهاتف النقال، كانت خلال سفر الى اميركا نهاية ٢٠١٢. يومها دفعت خمسين دولارا وحصلت على انترنت سريع لمدة خمسة وعشرين يوما. ولشدة لهفتي على سرعته اشتريت شريحتين، وضعت واحدة في الايباد والثانية في الهاتف، وشعرت انني اتنعم لاول مرة في بحر من الانترنت السريع. وطبعا قلت للاصدقاء يومها: ان شا الله نصير مثل امريكا في يوم ما.
لكنني تفاجأت خلال سفرات في الاسابيع التالية ان الخدمة نفسها متوفرة في هواتف الاردنيين والاتراك واللبنانيين، وبسعر اقل وسرعة مقاربة ومستقرة كذلك، وان الامر لم يكن يقتصر على بلد متطور مثل اميركا، بينما يدفع العراقيون مائتي دولار في الشهر احيانا لشركاتنا دون الحصول على انترنت معقول.
والانترنت لم يعد ترفا بالطبع، بل هو جزء من تسهيل المصالح والاعمال، خاصة في بلاد تتقطع اوصالها بحركة الجيوش وقرارات العسكر و"الخلفاء"و"الامراء"المفاجئة. وهو ايضا وسيلة لتبادل المعلومات المهمة وبث الاشاعات او تبديدها، تسهل علينا اكتشاف الكذابين الكبار، وناقصي الحكمة.
سألت يومها صديقا متنفذا في شركة موبايل معروفة: تاخذون من الزبائن فلوسا كثيرة ولا توفرون سوى انترنت بطيء. حرام عليكم. فقال: منذ مطلع ٢٠١٢ جهزنا كل شيء وابدينا استعدادا كاملا لخدمة فورية تنتمي الى مستوى الجيل الثالث، لكن الحكومة تطلب مالا كثيرا لتسمح لنا بتوفير الخدمة للمواطن، ونحن نتفاوض معها لتقليص المبالغ وتقسيطها، اذ تمر الشركات حتى العملاقة منها، بضائقة بسبب الازمة المالية حول العالم، ونحتاج تشجيعا لهذا الاستثمار الاضافي.
والمفاوضات مستمرة كما يبدو منذ مطلع ٢٠١٢ حتى مطلع ٢٠١٥، بتاخير ثلاث او اربع سنوات عن لبنان البلد ذي الامكانات المحدودة والغارق في مشاكل سياسية وامنية وطائفية ايضا، والمتقدم علينا بحسن التنظيم في مجالات عدة.
ولن يفيد العتب كثيرا، وعلينا ان نحتفل اليوم بعد توقيع العقد بين الحكومة وشركات النقال نهار الاثنين، ودفع القسط الاول من مبلغ شراء الترخيص الاضافي، بامل ان تقوم الحكومة بمساعدة الشركات وتشجيعها على توفير خدمة حقيقية بالمعيار الذي لاحظناه في عمان واسطنبول على الاقل. فصحيح ان ثلث بلادنا محتل من جيوش داعش، وان موازنتنا تواجه تقشفا، لكن ذلك لا ينسينا ما قاله وزير النفط عادل عبدالمهدي في البرلمان قبل ايام، حين اكد ان موازنتنا رغم كل شيء، تبقى اكثر من موازنات مصر وسوريا ولبنان والاردن مجتمعة!
واذا فشلنا في صناعة الامن وتوفير الكهرباء، فامامنا فرصة تعويض رمزية بتوفير خدمة انترنت رخيصة وسريعة، تقوم بتسلية الشعب او تسهيل اعماله وتيسير رغباته، لعل الانترنت يفلح في توحيد بلاد قطع اوصالها نهج سياسي منحط ونقص خبرة في ادارة الخلاف واحلام رعناء راح ضحيتها ملايين العراقيين قتلا وتشريدا وكمدا.
الاصدقاء يقولون ساخرين: ان جنود"الخليفة"سيكونون مسرورين ايضا بخدمة الجيل الثالث وانترنته السريع، وأرد على هذا قائلا: بالعافية عليهم، وايضا بالعافية على كل منتجي الكراهية الطائفية والقومية من كل الاطياف، الذين سيتاح لهم ان يبثوا حمقهم وخطاياهم"بنحو اسرع"مع الجيل الثالث، ذلك ان"الاشرارا الكبار"يتفننون في ابتكار تسهيلات لمشاريعهم سواء توفر الثري جي او لم يتح سوى ال"تو جي".
التلكؤ في توفير انترنت رخيص وسريع، هو قصة اهمال وفوضى ادارية ان لم نقل حكاية فساد معقدة وغامضة. وهي نموذج للقاصر عقله الذي انفق مالا طائلا وفشل حتى في رفع القمامة من ازقة شارع السعدون التي لم اتسكع فيها منذ سنة ونصف، واتمنى ان تكون افضل حالا اليوم.
مبروك للحكومة والشركات، و"عقبال"اتصالات اسرع، لان الدنيا بدأت تنتقل الى"الفور جي"كما نسمع وتسمعون.
اخيراً "ثري جي" في العراق
[post-views]
نشر في: 10 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو زهراء المشرفاوي
نعم ننتظرها بفارغ الصبر ،،،،،،،، لا ادري. هل بقي الصبر ؟؟؟؟؟
عواد ناصر
شكرا أخي سرمد لإضاءة هذه البقعة المعتمة في حياة العراقيين. متوسط ما ندفعه للآيباد من جي3 هنا في لندن بحدود ال 50 دولارا لخدمة الهاتف والانترنت غير المحدودة والسريعة جدا. علما ان جي 6 طرح مؤخرا في السوق.