تكشف مذكرة وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل التي بعث بها الى مستشارة الأمن القومي سوزان رايس وإعرابه فيها عن قلقه من ستراتيجية بلاده الشاملة في سوريا ،عن تصدع جدي في طاقم الرئيس أوباما حتى قبل هزيمة الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية ،التي اع
تكشف مذكرة وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل التي بعث بها الى مستشارة الأمن القومي سوزان رايس وإعرابه فيها عن قلقه من ستراتيجية بلاده الشاملة في سوريا ،عن تصدع جدي في طاقم الرئيس أوباما حتى قبل هزيمة الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية ،التي اعترف الرئيس علنا بأنه المسؤول عنها، وهذه المذكرة في جوهرها تعكس عدم وجود ستراتيجية بعيدة المدى لسوريا التي تمزق الحرب نسيجها المجتمعي وأسسها ومقوماتها كدولة.
ولكن ما يمكن رصده خلال الأسابيع الأخيرة من تحركات الممثل الخاص للأمم المتحدة لحل الأزمة السورية ستيفان دي ميستورا وقيام الكرملين بعقد اجتماع لقوى المعارضة السورية قبل يومين ،والذي وصفه رئيس الائتلاف الوطني السابق معاذ الخطيب ب"الايجابي" وقوله "ان الروس سمعوا بأن معادلة سياسة جديدة للوضع في سوريا لن تقوم مع وجود الاسد"، هو ان هناك قناعة قد ترسخت لدى جميع القوى الإقليمية و الدولية المعنية بالصراع السوري بضرورة البحث عن حلول مرحلية تنهي الاقتتال الدموي الذي استفز استقطابات مذهبية و عرقية خطيرة في المنطقة ككل.
ويأتي كلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال حوار في سياق أعمال مؤتمر لمؤسسة ( اسبين ) للأبحاث عن قيام الولايات المتحدة بمناقشة المستقبل السياسي ،ومصير نظام بشار الأسد مع الروس والإيرانيين والسعوديين للتوصل الى تسوية للنزاع السوري ،ليثبت امرين ،الأول صحة الهواجس الروسية – الإيرانية من خطط أميركية لاستخدام التحالف الدولي العربي ضد ( داعش)، وما تشنه طائراته من غارات على مواقع وتحركات ومصالح هذا التنظيم كوسيلة في مرحلة لاحقة للإطاحة بالأسد ،والثاني المعلومات التي كانت نقلتها بعض وسائل الإعلام الأوروبية خلال الأيام الفائتة عن تفاهم أميركي – روسي لإحياء مؤتمر جنيف ،وعودة الخيار الدبلوماسي مجددا الى الطاولة بتشجيع من روسيا الذي اطلق وزير خارجيتها سيرغي لافروف الاثنين الماضي موقفا أثار انتباه المراقبين ودهشتهم بقوله" ان فرص استئناف المفاوضات حول الشأن السوري ،تزداد ،لكن الحالة الراهنة لعملية التسوية شديدة التعقيد". ورأى مراقبون في هذا التصريح رغبة روسية في الذهاب الى العملية السياسية رغم الاشتباك مع الأميركيين والأوروبيين حول اوكرانيا، تأكيدا على إمكانية فصل الملفات ،ومحاولة استعادة المبادرة في الملف السوري".
عملية سياسية
ورجح محللون ان يكون التفاهم الروسي – الأميركي على استئناف العملية السياسية حول سوريا قد حصل خلال اللقاء الذي جمع لافروف بنظيره الأميركي كيري في اجتماع باريس في 14 أكتوبر، مشيرين الى " ان كيري كان ابلغ نظيره السوري بسعي موسكو الى العودة الى جنيف على هامش الاجتماعات خلال انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 24 سبتمبر المنصرم. وفي هذا السياق كشفت مصادر في المعارضة السورية " ان المنسق الأميركي لملف العلاقات مع المعارضة السورية دانيال روبنشتاين ابلغ قادة " الائتلاف الوطني السوري" انه لن يكون الطرف الوحيد المعارض الذي سيشارك في الجولة الثالثة المحتملة من جنيف مع ممثلي الدولة السورية". وكان لافروف قال" ان حضور الائتلاف ضمن وفد المعارضة ضروري، لكي ينبغي ان يضم هذا الوفد التنظيمات الاخرى".
وكشفت مصادر دبلوماسية بعض تفاصيل الخطة التي يروج لها ميستورا كبداية للحل السياسي ،هدفها المرحلي تقريب وجهات النظر بين النظام السوري وما تبقى من معارضة" معتدلة" في الميدان بدءا من حلب ،وفي الخطوة التالية توحيد جهود الطرفين على الأرض في محاولة لمواجهة مشتركة لتنظيم ( داعش) في هذه المدينة حيث لأطراف الثلاثة ( النظام و المعارضة المعتدلة و داعش) وجود قوي. وفي هذا السياق تحدثت مصادر سورية معارضة عن ورقة تفاهم بين منظمة ( حزم) المدعومة اميركيا و( جبهة النصرة) لتحييد حلب عن الصراع. وتشير المصادر نفسها الى ان ميتسورا سيتخذ مدينة حمص والمصالحات التي جرت فيها قبل سبعة اشهر مثلا لمدينة حلب ،وسيجري عليها بعض التعديلات على المسار الذي اتبع في حمص ،حتى لا تصل الأوضاع الى النتيجة نفسها التي أدت في النهاية الى سيطرة النظام عمليات على المدينة القديمة ،وتحول المصالحات آنذاك الى ترجيح كفة النظام. وبرأي دي ميستورا فأن" أوضاع حلب تختلف تماما عما كان عليه الأمر في حمص ،حيث كانت المعارضة المسلحة في وضع ميداني سيء، وما يمنع تكرار ما حصل في حمص في الخطة الموضوعة لحلب وجود ( داعش) العدو المشترك للطرفين".
خطوات تدريجية
وفي حال نجحت هذه الخطوة الأولى وامكن إيجاد أرضية لثقة متبادلة ،سينتقل دي ميستورا الى الخطوة الثانية ،وهي المرحلة الأصعب كونها تهدف الى محاصرة ( داعش) ومحاربته من الجميع ،ومن ثم في المرحلة التالية تعميم نموذج حلب على باقي المناطق من اجل إخراج ( داعش) من المعادلة او على الأقل وضع حد لتأثيرها. وتقضي المرحلة النهائية وفقا لخطة دي ميستورا" قيام حوار وطني ،او حوار الحل السياسي بعد إجراء تعديلات جوهرية على مستوى القوى و الأفراد الذين سيحاورون النظام من الطرف الاخر في ضوء ما آلت اليه أوضاع الائتلاف الوطني مع اخذ القوى المعارضة الميدانية في اي حوار ومفاوضات سياسية".
وكانت جريدة ( واشنطن بوست) تحدثت عن وضع مجموعة بحوث اوروبية لستراتيجية بديلة لوقف اطلاق النار محليا و التخفيف التدريجي من تصاعد أعمال العنف في دولة لامركزية في المستقبل. ووفقا للخطة المقترحة " ان الحل على المدى القصير لا يكمن في تشكيل حكومة انتقالية ولا في تقاسم السلطة ،بل في تجميد الحرب وفقا لما هي عليه الان والإقرار بأن سوريا أصبحت دولة لا مركزية في فوهة البندقية". وتدعو الوثيقة الى ان يلي وقف اطلاق النار اجراء انتخابات محلية تقوم الى انتخابات وطنية في نهاية المطاف" ،مشيرة الى " ان وقف اطلاق النار سيتيح بالتحرك نحو العثور على حل سلمي واجراء عملية انتقال سياسي من خلال التفاوض". ووفقا لمصادر ديبلوماسية دولية فأن " مصير كوباني سيكون مؤشرا لما يمكن ان تصل اليه الأمور في مساعي دي ميستورا لإرساء الحل السياسي واي اتجاه ستسلكه" ،ولكن مراقبين اكدوا" ان الحل يحتاج الى آلية تنفيذية وخطة للحل" ،ورجحت " ان يتم الابتعاد قليلا عن اتفاق جنيف".
واشنطن و المعارضة و الائتلاف
واعتبر مراقبون ان الموقف الأميركي الجديد بتوسيع نطاق الاعتراف بقوى المعارضة الاخرى وعدم إقصارها على الائتلاف الوطني مؤشرا الى ان الأخير لم يعد نقطة ارتكاز الديبلوماسية الأميركية فيما يخص الصراع في سوريا ،بعد الضعف الذي اعترى دوره في الأحداث الجارية على الأرض ،والانشقاقات التي نشبت داخله بسبب خلافاته وارتباطاته الإقليمية ".ونقلت ( السفير) عن مصادر سورية رسمية قولها " ان الروس يصرون على حضور ممثلي الحكومة المفاوضات المقترحة التي تتولى واشنطن وموسكو الأعداد لها"، وقالت" ان موسكو تركز على العودة الى وفد من المعارضين يضم ( الائتلاف) و( هيئة التنسيق) التي باتت تضم في صفوفها المعارض نائب رئيس الحكومة السورية السابق قدري جميل المقرب من روسيا ،إضافة الى وفد من العشائر و الكرد".
وتثير خطة دي ميستورا تساؤلات جدية حول طبيعة المناطق المجمدة التي يريد المبعوث الدولي أقامتها ،وماذا يعني بها ،وما دور الأطراف الإقليميين و الدوليين ،ومن سيحميها ،ومن سيتولى المسؤولية فيها ،اذا في طرحه غموض وعدم وضوح حول مصير النزاعات ،والتوزنات السياسية و العسكرية ،والمؤسسات و السلطة ،وكيفية التفاوض، ويبقى السؤال هو " متى سيبدأ وكيف؟".
وكان ميستورا قد اعلن امس الثلاثاء أن "المسؤولين السوريين أعطوه إشارات إيجابية في شأن مقترح للأمم المتحدة يهدف إلى إبرام اتفاق محلي لوقف إطلاق النار في مدينة حلب".
وأشار دي ميستورا في مقابلة أجرتها معه "بي بي سي" إلى أن "التهديد المشترك الذي يمثله مقاتلو "الدولة الإسلامية" (داعش) على كل فصائل سورية المتنازعة ربما يساعد على حمل الحكومة والمعارضة المسلحة على عقد اتفاقات محلية لوقف إطلاق النار"، موضحاً أن ""الدولة الإسلامية" تزعزع استقرار الجميع".
وأقر مبعوث الأمم المتحدة أنه حتى إذا مضت خطة الأمم المتحدة قدماً ستكون بمثابة خطوة أولية فقط في النزاع الذي أسفر عن مقتل نحو 200 ألف شخص وأدى إلى نزوح ولجوء الملايين.
وكان دي ميستورا نقل عن الأسد قوله أمس الاول الاثنين إن "الاقتراح جدير بالدراسة".
ويطرح دي ميستورا مبادرة لإيجاد مناطق يتوقف فيها القتال تدريجياً للسماح بدخول المساعدات بشكل أكبر بدايةً إلى مدينة حلب.
وقال: "أعتقد أن اقتراح الأمم المتحدة المتعلق بتجميد القتال من أجل حلب هو اقتراح متماسك وواقعي".
وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) إن دي ميستورا والمعلم اتفقا على استئناف المشاورات في شأن إعادة الاستقرار إلى حلب وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية.