فشل جنيف الثاني في وضع أسس لحل الأزمة السورية، فاستمرت حروب الإخوة الأعداء، واستباح محترفو الإرهاب باسم الدين الجغرافيا السورية، واستنفر العالم كله محاولاً القضاء على هذه الظاهرة الهمجية، فيما تراجع الاهتمام بأصل المسألة، مع تراجع دور معارضي الأسد على الأرض، وانشغال قياداتهم السياسية والعسكرية بتقاسم المعونات التي تصل للثوار، وتحول كتائب الجيش الحر إلى مجرد مقاتلين "مرتزقة" يتبعون لأمراء حرب، استهوتهم لعبة الثورة والثروة، ومع ذلك ظل هناك من يراهن على ائتلاف المعارضة، حتى أن مؤتمراً لأصدقاء سوريا انعقد قبل يومين في لندن، دون أن يدري أحد لماذا انعقد وماذا بحث وإلى أي نتائج وصل.
يجري الحديث اليوم عن جهد روسي، لعقد مؤتمر جديد يؤسس لشكل من المصالحة بين النظام ومعارضة الداخل، ومعها الأكثر اعتدالاً من معارضة الخارج، حتى أن معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السابق دعي إلى موسكو، للبحث عن آفاق للحل، وهو يعلن أن المهم التأكيد على أولوية إنقاذ سوريا شعباً وأرضاً ، وإيقاف القتل والدماء، صحيح أنه واصل هجومه على الأسد، باعتبار أن سوريا لا يمكن أن تتعافى بوجوده، وأنه لا يمكن قبول أي دور له في المستقبل، لكن الأصح أن هذا الكلام إنشائي، ولا يجد من يصرفه خصوصاً في الكرملين، المؤمن بضرورة استمرار الأسد رئيساً، بغض النظر عن الأثمان التي يدفعها السوريون بالدرجة الأولى، ومحيطهم الإقليمي بدرجة أقل.
يقال إن القاهرة ستلعب دوراً بارزاً في حل الأزمة السورية، معتمدة على علاقتها القديمة مع الرياض، والمتجددة مع طهران، وغير المنقطعة مع دمشق، وهو دور يسعى كثيرون لتفعيله في استعادة لدور مصر الإقليمي، غير أن المؤكد هو أن أي حل سياسي للأزمة السورية سيظل كالحراثة في الماء، مالم يسبقه قرار دولي ملزم، بطرد كل المقاتلين الأجانب من بلاد الشام، سواء كانوا ضد النظام أو معه، ويستبعد كل من تلوثت يداه بدم السوريين، مع تأكيد القوى الدولية والإقليمية على تنفيذه حتى وإن اقتضى الأمر استخدام القوة ضد من يحاول إعاقته.
السؤال هنا هل تستطيع موسكو المنحازة للأسد، أن تحل مكان جنيف 2 المنحاز لمعارضيه؟، وهل بمقدورها التوفيق بين الأطراف المتناقضة والتوفيق بينها ليكون الكرملين عراب الحل، الذي يبدو مستحيلاً ما دام أطراف المسألة يُكفّرون بعضهم، ويؤمنون بضرورة أو حتمية القضاء على الآخر، وليس التحاور معه، وليس مهماً أن يرحب كل طرف بالمشاركة في مؤتمر موسكو، فالمهم هو النوايا المعروفة عند الجميع، والتي يحاول الجميع التستر عليها بطرح شعارات رنانة عن الحرية والديمقراطية والممانعة والقومية ، ومسبقا ً تُسرّب دمشق أنها تنظر إلى مؤتمر موسكو باعتباره حاجة سياسية روسية، وهي مستعدة في إطار العلاقات الوثيقة بينهما، وكنوع من رد الجميل، للمشاركة فيه على مضض، وهي تعرف النتائج سلفاً.
المعارضة السورية، ولا نتحدث عن داعش ومن هم على شاكلتها، مدعوة للبحث عن حلول سياسية على طريقة "لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم"، وطرح مشروع وطني قابل للتطبيق، وعدم التشبث بهدف تعرف قبل غيرها عدم قدرتها على بلوغه، والنظام مدعو أيضاً لاستثمار "انتصاراته" في وضع حلول جذرية تلبي مطالب المواطنين، بدل الإصرار على إخضاعهم، وهو يدرك بعد أربع سنوات من التطاحن استحالة ذلك، والقوى الإقليمية من تركيا إلى إيران والسعودية، مدعوة للمساهمة في جهد صادق للحفاظ على ما تبقى من سوريا، بدل السعي لهدمه وتدميره، وبمعنى أن على الجميع مواجهة لحظة الحقيقة، فهل يفعلون؟
موسكو1 بدل جنيف3
[post-views]
نشر في: 11 نوفمبر, 2014: 09:01 م