في الذاكرة الشعبية العراقية يعني" زيان الراس "وقوع كارثة او مصيبة على رأس احدهم ، وفي زمن الحرب العراقية الإيرانية كانت المكالمات عبر الهواتف الأرضية وخاصة في أيام احتدام المعارك بين الطرفين ، تعتمد الشفرات للأخبار عن مقتل ابن فلان بالقول " زاير راضي تزين راسه اليوم" ويفهم السامع على الطرف الآخر من الخط ، بان محسن راضي قتل ، ونعشه الملفوف بالعلم المنقول بسيارة يستقلها المأمور من ميسان الى بغداد ثم الى مدينة صدام الثورة سابقا الصدر حاليا، في طريقه للوصول الى مقر الفرقة الحزبية ومنها الى بيت الزاير ، وبعد إجراء التشييع يتوجه "الجنازة" اي الأشخاص من كبار السن، وهم عادة يرافقون النعش متجهين الى محافظة النجف الأشرف حيث تقع مقبرة وادي السلام ، وتتكرر حالة" زيان الراس" في كل يوم ، وربما بالساعات فالاتصالات الهاتفية ساخنة ، والإعلام الرسمي يبث الأناشيد بانتظار إعلان تصريح للناطق العسكري او بيان صادر عن القوات المسلحة ، وعلى إيقاع حماسة المذيع ، يخيم الوجوم على وجوه الأمهات والآباء ، فهناك مرشحون كثر" لزيان الراس" في صالون الحلاقة الواقع وسط الجحيم العراقي على حد وصف الشاعر الحلاوي موفق محمد.
عندما يقول شخص لخصمه "اليوم ازين راس ابوك" يعني انه سيستخدم كل الوسائل المتاحة والمتوفرة لانزال العقاب بالخصم ، والأخير ربما يرد بالقول" اليوم اشعل صفحتك" ، وتهديد الثاني اقل وطأة من الاول ولا يتعدى المشاجرة في الأيدي واستخدام التواثي ثم تنتهي المنازلة التاريخية على مستوى المحلة او القطاع بتدخل الاخرين وتحسم المواجهة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب ، فتعود المياه الى مجاريها الطبيعية ، وهذا النوع من المشاجرات غالبا ما يحصل بين المطيرجية ، المعروف عنهم دائما انهم ينظرون الى السماء ، وخلافاتهم يمكن حلها بكيلو" لكط " طعام الطيور من الدخن والشعير والهرطمان وحب الذرة ، ولذلك قيل ان معركة المطيرجية سلوك طبيعي لا تخلف دماء وضحايا ، ولا تصل الى مرحلة "زيان الراس " التهديد الجدي بالقتل او ارتكاب جريمة ضد الانسانية .
الجحيم العراقي اكتسب امتيازا اصبح علامة فارقة للاضطهاد والعسف نتيجة ما خلفته ممارسات السلطة ضد شعبها ، فهي تقتل وتلاحق معارضيها ، وتجبر أسرهم على مغادرة منازلها وتسقط جنسياتهم ، بمعنى اخر "تزين روسهم " ولا تستثني احدا سواء من الأطفال او النساء وحتى الشيوخ الكبار ، لتوجيه رسالة الى اخرين ، ليعلنوا البيعة الأبدية للحاكم بأمر ربه على الارض .
الحروب والصراع بين السياسيين ، وليس الخلاف بين المطيرجية ، هما السبب الرئيس في اعتماد عقوبة "زيان الراس" بحق عباد الله ، ولذلك احتفظت البيئة العراقية ،الشهيرة باضطرابها الامني والسياسي، بتلك العقوبة ، وتطور استخدامها فاثارت الضمير الانساني ، فتشكل التحالف الدولي ، وشنت الطائرات الاجنبية غارات على مواقع داعش ، ولكنها حتى الان لم تصل بعد الى مرحلة "زيان الراس" للدواعش ومن احتضنهم .
زيان الراس
[post-views]
نشر في: 12 نوفمبر, 2014: 09:01 م