رغم أنه دخل إلى المعتقل بسبب وشاية واحد من أقرب أصدقائه إليه ، إلا انه حين خرج بعد سنوات طويلة قضاها بين الظلمة وأدوات التعذيب ، حاول البحث عن أصدقاء عمره الآخرين فقيل له إن بعضهم دخل سجونا ولم يخرج منها كغيرهم ، وبعض آخر وجد اسمه على شواهد قبور منسية ..عندها فقط حمل مخطوطته التي ضمنها عذاباته وأخفاها طويلا عن أعين السجانين ورماها في النهر طالما لن يقرأها من كتبها لهم ليعيشوا معه ذكرياته المريرة ..
عراقي آخر غادر العراق مرغما بعد ان تلقى تهديدا صريحا من احدى الميليشيات بقتله او اختطاف زوجته او ابنته.. قضى سنوات في الغربة محاولا إقناع نفسه وعائلته بان الحضارة والتقدم والأمان وتوفر الكهرباء افضل بكثير من عراق خال من الخدمات والراحة والأمان ، لكنه سارع بالعودة ما ان لمح أول طيف للأمان والاستقرار..عاد ليعيش المعاناة العراقية متلذذا بوجوده بين أهله وأصدقائه ...وبعد سنوات ، اكتشف انه وجد نفس الوجوه التي عاد من أجلها لكن اغلبها تغيرت ملامحها وماعادت تمنحه نفس الدفق من الحنان الذي ينشده ..وجد قدميه تغوصان في ارض موحلة ومجدبة لاسبيل إلى التحرر منها إلا بمعاودة السفر دون عودة ،وهذه المرة سيحاول ان يضع حجارة ثقيلة على قلبه لكي لاينبض بسرعة حين تتناهى إلى مسامعه كلمة (عراق) وان يعوّد عينيه على النظر بحيادية ودون انفعالات وعواطف عراقية حين يمر أمامه شريط إخباري يبلغه نبأ مقتل عشرات ومئات أحيانا من أهل بلده ...
امرأة عراقية أيضا اسعدها كثيرا ان تجد صديقتها الحميمة خلال سنوات الدراسة الجامعية على صفحات التواصل الاجتماعي...كان اللقاء عاصفا تخللته الدموع وصيحات الفرح وتدفق الأخبار لكلا الطرفين في حديث استمر عدة ساعات لم تكن كافية بالنسبة لهما لتبادل كل أخبارهما بالتفاصيل طوال فترة افتراقهما يضاف لها أخبار زملائهما ومعارفهما المشتركين ..
لكن تلك المحادثة لم تتكرر إلا بعد أسابيع طويلة ولم تدم اكثر من ساعة ثم مرت شهور وتذكرت احدى الصديقتين ان تهنئ صديقتها بالعيد فردت عليها الأخرى التهنئة دون تفاصيل كثيرة وبالتدريج عادت كل منهما إلى حياتها الحاضرة وظلت صداقتهما ذكرى لذيذة لكن مشاغل الحياة تقف عائقا في سبيل استمرارها بنفس القوة والعاطفة..
قدر العراقيين أن يحصلوا على نزر يسير من الفرح وان يعيشوا حياة منقوصة وبعضهم لايفكر أصلا في الحصول على الفرح بل يبحث عن لقمة العيش فقط ..انهم يتجاهلون حتى المتع الصغيرة أحيانا ليدوروا في دوامة الحياة ولكي يتأكدوا يوميا من انهم مازالوا على قيد الحياة فليس عليهم الاتصال بصديق أثير أو الاستمتاع بنهار جميل وآمن في حضن الوطن ..عليهم فقط ان يتأكدوا ان أعضاءهم مازالت سليمة ليواصلوا الدوران من جديد في دوامة الحياة !
حياة منقوصة
[post-views]
نشر في: 14 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
د عادل على
شعب مشى وراء البعث40 سنه مريض----وشعب مشى وراء المالكى 8 سنات اشد مرضا حيدورى انقدنا