الاتفاق الذي عاد به من أربيل وزير النفط الاتحادي عادل عبد المهدي جيد لكنه ليس كافياً، فهو اتفاق حلحلة فيما المطلوب اتفاق حلّ يضع بداية النهاية للمشاكل المتراكمة والمتفاقمة القائمة بين الإدارة الاتحادية وإدارة إقليم كردستان.
خطوة مهمة، برغم صغرها، نحو بداية الحل.. نعم، لكن ما نحتاج إليه خطوة كبيرة تقتضيها مصالح البلاد العليا والمصالح المشتركة للعراقيين جميعاً من العرب والكرد وسائر القوميات، ويقتضيها أيضاً الظرف المصيري الذي تمر به البلاد الآن.
هذه الخطوة الصغيرة يُمكن أن تكون حجر الزاوية لانطلاقة حقيقية وقوية نحو الحل المنشود الذي يفضي الى قيام علاقة متينة ومستقرة ومتطورة بين بغداد وأربيل. وشرط ذلك أن تتمتع القيادات المعنية في العاصمة الاتحادية وعاصمة الإقليم بالإرادة الأكيدة للتوصل الى الحل، وان تتحلى بالعزم والقدرة على اتخاذ القرارات "الصعبة".. والقرارات "الصعبة" ليست صعبة في الواقع اذا ما توفرت الشجاعة لدى من يتعين أن يتخذ هذه القرارات.
في بغداد لابدّ أن ندرك أن لا خيار لنا غير حلّ المشاكل القائمة مع الإقليم.. خيار عدم الحلّ يعني المزيد من دمار البلاد وخرابها.. كل ما نكابده اليوم وكل ما عاناه الجيل الحالي وعدة أجيال سابقة كان بسبب سعي الحكومات المتعاقبة، منذ العهد الملكي حتى عهد صدام حسين مروراً بعهد عبد الكريم قاسم، الى فرض حلّ لم يكن الكرد ليقبلوا به بأي حال. والسنوات الثماني الماضية فاقمت من تردي أحوالنا لأن الحاكم في العهد الجديد تمسك بعقلية أسلافه من الحكام، عقلية التكبّر والتجبّر والعنجهية الفارغة، فكانت النتيجة أن أفضى عهد الحاكم الجديد الى وقوع ثلث مساحة البلاد تحت احتلال متوحش، والى موت عشرات الآلاف من الناس على نحو مروّع، والى تحوّل مليوني عراقي إلى لاجئين في بلادهم.
وفي أربيل، في المقابل، لابدّ أن تدرك القيادة الكردية أن لا خيار لها وللشعب الكردي، في الظرف الراهن، غير الاتفاق مع بغداد.. خيار عدم الاتفاق يضع مصير الشعب الكردي وتجربة إقليم كردستان على كف عفريت، فالظروف لم تنضج بعد للاستقلال، والتعويل على عوامل إقليمية ودولية ليس واقعياً وليس مجدياً، وتاريخ الثورة الكردية حافل بالأمثلة على خذلان هذه العوامل للثورة الكردية وقيادتها وللشعب الكردي. وبوضوح أكبر، لا ينبغي التعويل على تركيا والولايات المتحدة.
النوايا الطيبة ليست كافية وحدها لاجتراح المعجزات، لكنها مهمة للبدء بعملية اجتراح المعجزات.. والخطوة الصغيرة التي أنجزها السيد عبد المهدي في أربيل مع رئيس حكومة الإقليم ونائبه بمقدورها أن تفتح أبواب الجنة الأرضية لنا جميعاً اذا ما تعززت وترصّنت بالنوايا الطيبة من الطرفين وبالإرادة والعزم على بلوغ الحلّ غير المستحيل، فهو يوجد في زاوية من زوايا الزمان والمكان، والجهد المطلوب بذله هو لبلوغ هذه الزاوية.
اتفاق الحلحلة في أربيل
[post-views]
نشر في: 15 نوفمبر, 2014: 09:01 م