تعترف وسن صالح، وهي تبتسم بخجل، بكونها تمثل مشكلة واسعة في الروتين يحاول المسؤولون علاجها، حيث لم يسبق لها استخدام الحاسوب ابدا. مشاركتها في دورة تكنولوجيا المعلومات المقامة في احدى كليات بغداد تمثل جزءا من جهود اساتذة الجامعة للمساعدة في تحديث الخدمة المدنية. يشعر العراقيون بالاحباط بسبب التعليمات البيزنطية و النظام الوظيفي المبني على الاعمال الورقية والذي لم يتغير منذ عقود.
تقول وسن، 35 سنة الموظفة في وزارة التجارة، " هذه هي المرة الاولى التي استخدم فيها الحاسوب. لدي واحد في البيت لكني لا اعرف استخدامه. الآن سأقوم بتطبيق ما تعلمته، انها حقا تجربة عظيمة يمكنني نقلها الى عائلتي و جيراني ". انتشار الانترنت في العراق هو الأقل في المنطقة، حيث كان يشكل 1.1 % عام 2010 حسب الاتحاد الدولي للاتصالات. مع ان استخدام الهاتف النقال قد ازداد بشكل كبير منذ الاجتياح الاميركي للعراق عام 2003، الا ان مستوى استخدام الحاسوب لا يصل الى تلك النسبة. لهذا السبب فان دورة تكنولوجيا المعلومات لموظفي الدولة مصممة لتكون مبسطة جدا، فليست هناك مصطلحات او لغة تقنية خفية كما ان الدروس الاولية مكرسة للعمليات الاساسية و تستخدم برامج بسيطة مثل مايكروسوفت وورد او اكسل. بعد ذلك بفترة قصيرة يتعرف الطلبة على الانترنت و مختلف خدمات الاعلام الاجتماعي مثل تويتر و فيسبوك التي اضيفت في السنوات الاخيرة كدروس الزامية يجب على طلبة الكليات ان يأخذوها. هذه الدورة هي من بنات افكار الاستاذ حارث فؤاد جواد، رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات في الكلية، حيث بدأ بها في كانون الاول 2008 بعد ان قرأ مقالة في احدى الصحف ترثي " الامية التكنولوجية " لدى العراقيين. في تلك المقالة يستذكر احد الاساتذة كيف انه سأل الطلبة، اثناء تعليمهم كيفية استخدام الحاسوب، ان يحركوا الماوس للاعلى فقام احدهم برفعه في الهواء فوق الحاسوب. يأخذ الطلبة دروسا لثلاث ساعات يوميا على مدى عشرة ايام في غرفة صغيرة فيها ثلاثون جهاز حاسوب، من جانبها تختار الوزارات المرشحين لهذه الدورات التي لا تكلف كثيرا (50 الف دينار عراقي) على نفقة الحكومة. يقول عبدالجليل حنون – 55 سنة موظف في وزارة العدل " لقد تعلمنا استخدام عدة برامج مثل وورد و اكسل و دخلنا الى الانترنت. تعلمنا اشياء لم نكن نعلم حتى بوجودها". عدم التقدم في مجال الحاسوب في العراق يأتي كنتيجة مباشرة لثلاثين سنة من الحروب و العقوبات و الحصار الاقتصادي و اجتياح عام 2003. يقول الاستاذ جواد " لغاية عام 1980 كان العراق اكثر بلدان الشرق الاوسط تقدما في مجال التكنولوجيا، الا ان الحرب مع ايران قد غيرت كل ذلك. اليوم نحن متأخرون في السباق التكنولوجي ". في السابق كانت هناك قيود على استخدام الانترنت، لكن بعد رفع تلك القيود عام 2003 لم تفعل الحكومة الكثير من اجل تشجيع استخدام الحاسوب.
يواجه العراقيون، لدى مراجعتهم وزارات الدولة، حجما كبيرا من الاعمال الورقية و عدم وجود خيار لإنجاز اعمالهم باستخدام الحاسوب. كان الجنود الاميركان في العراق غالبا ما يندهشون من تأخير الاوامر الصادرة من مقرات الشرطة العليا الى اقسام الشرطة لأنها لم تكن تنقل بالبريد الالكتروني و انما بالاوراق. ان المشاركة منزليا بالانترنت مكلفة حيث تتراوح ما بين 60-100 دولار شهريا، كما ان سرعة الاتصال ابطأ مما في باقي بلدان المنطقة، هذا عدا عن بقية مناطق العالم.
لقد حققت الدورة المفتوحة في الكلية التقنية ببغداد نجاحات بسيطة و فتحت طرقا صغيرة في مجال الافتقار الى الرقمنة، ففي الاشهر الخمسة الاولى من العام الحالي، اتخذ 547 موظفا خطوتهم الاولى في علوم الحاسوب، حسب الارقام التي اعطتها الكلية، كما بدأت كليات اخرى في بغداد ببرامج مماثلة. تقول نجوى عبدالرضا، 27 سنة، باعتزاز انها قد تعلمت ارسال البريد الالكتروني بعد اكمالها الدورة مؤخرا " هذه الحواسيب قد قلصت الكوكب الى قرية صغيرة، ونحن نريد ان نعيش في هذه القرية ".
عن: الديلي ستار