TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مغسول البخت

مغسول البخت

نشر في: 16 نوفمبر, 2014: 09:01 م

على غرار غسيل الاموال وسلوك الطرق غير الشرعية لمضاعفة الارصدة في بنوك خارجية مسجلة باسماء ذوي الشأن والنفوذ في اشباه الدول ، انتقل الغسيل ليشمل العقول والادمغة ، لتسخير اشخاص باعمار وجنسيات مختلفة من اجل تنفيذ عمليات محددة لصالح جهات ارهابية او مخابرات دولية ، وللاعلام دور في عملية الغسيل باصرار فضائيات ومواقع الكترونية على اطلاق مفردة الاستشهاديين على الارهابيين ، بوصفهم ينفذون "عمليات جهادية" ضد المحتلين والغزاة واعداء الامة العربية والاسلامية .
نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي ، وعلى خلفية تنفيذ عشرات العمليات الانتحارية في الارض المحتلة ، استفتت مجلة عربية تصدر في لندن القراء العرب لبيان مدى رفضهم او تأييدهم لتلك العمليات ، ومكتب المجلة في بغداد كلف بتوزيع الاستمارة الخاصة للاستبيان بين اوساط حملة الشهادات الجامعية ، فكانت النتيجة التأييد المطلق ، مع توصية بتغيير مفردة الانتحاري الى استشهادي تقديرا لموقفه البطولي في الدفاع عن قضايا امته المصيرية ، وبعد حادث الحادي عشر من سبتمبر ، اعادت المجلة الاستفتاء ، فحصلت على نتائج تفيد بان معظم الاوساط الشعبية في البلاد العربية ترفض الارهاب ، باستثناء من تبنى مواقف انظمة تنظر الى الحادث بوصفه انتقاما من الرب ضد الامبريالية، ممثلة بممارسات الولايات المتحدة الاميركية .
يتم انتقاء الاشخاص واخضاعهم لعمليات غسل الدماغ عادة من بيئة منغلقة ، رفعت شعار العداء للحضارة ، ترفض الانفتاح على الاخرين ، ومواصفات الاختيار تبدأ عادة من المساجد ومنتديات تزعم انها ثقافية ، لكنها في حقيقتها ، تتولى رصد اشخاص يتقبلون الفكر المتشدد ، ويتمسكون بوصايا وارشادات دعاته ومروجيه ، وكانت صحيفة محلية سعودية ، وفي اطار تنفيذ مشروع " المناصحة " نشرت تحقيقا موسعا تحدث فيه شباب عن محاولات تعرضهم لغسل الدماغ ، تبدأ بمراحل القاء المحاضرات وعرض مصورات وافلام ، ولقاءات مع اصحاب تجارب ، وتنظيم رحلات الى دول مجاورة للقاء عناصر ينتمون لجماعات مسلحة ، ثم الدخول في معسكرات تدريب لتعلم اساليب تفجير العبوات والاحزمة الناسفة ، وحين يستكمل "المغسول دماغه " كامل استعداداته يكلف بتنفيذ عملية انتحارية ، ليضمن الدخول الى الجنة .
اعتاد العراقيون حين يعبرون عن استيائهم من امر ما قول" لا يامغسول" بحق الشخص اذا ارتكب "مكسورة" او اقترف ذنبا يخترق الاعراف وقواعد السلوك الاجتماعي السائد ، والمفردة مشتقة من "المغيسل " مكان غسل جثث الموتى قبل دفنهم ،و" مغسول البخت والحظ " شخص يثير المتاعب لعائلته واقربائه فيعد بنظرهم ،مصدر اثارة شغب ، ومشاكل ، لا ينفع معه النصح والارشاد ، فتفرض عليه العزلة عندما تفشل محاولات اصلاحه ، والمغسول دماغه وكل خلاياه وجد في اشباه الدول ميدانا لتنفيذ وصايا اسياده ، باختيار الموت الانتحاري من دون المرور الى "المغيسل" لا يا مغسول .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram