بالتأكيد وزارة الداخلية وأجهزتها المختلفة وسائر مؤسسات الأمن الداخلي هي الأولى الآن، بعد المؤسسة العسكرية، بإصلاح حالها وتنظيف صفوفها من الفاسدين والمفسدين، فإبقاء حالها على ما هي عليه سيعني إبقاء البلاد برمّتها في ما تعيشه من حال تعيسة ومن فقدان للأمل بوجود ضوء في نهاية النفق.
المؤسسة الأمنية عريقة في فسادها المترسخة جذوره في أعماقها. في حقبة من تاريخ الدولة الحديثة، هي حقبة العهد الملكي والعهد الجمهوري الأول، القاسمي، كانت هي المؤسسة الوحيدة تقريباً التي نشأت وترعرعت فيها ظاهرة الفساد الإداري والمالي، ثم تفشّت باتجاه أجهزة الدولة الأخرى في أزمان الحروب والحصار، لكن - والحق يقال - لم يشهد الفاسدون والمفسدون عصرهم الذهبي الا في العهد الحالي والزمن الراهن.. عهد "الديمقراطية" وزمن الإسلام السياسي. ولم تعد المؤسسة الأمنية، في هذا العهد فاسدة، من الداخل فقط وإنما غدت الحامي الأكبر للفاسدين والمفسدين في مؤسسات الدولة الأخرى، ولعصابات الجريمة المنظمة التي تشكّل الآن تهديداً جدياً للسلم الأهلي والأمن الوطني، لا يقلّ في خطورته عن التهديد الإرهابي.
وممارسة الفساد الإداري والمالي وتوفير الحماية له ليس البلاء الوحيد المزمن في المؤسسة الأمنية، فقد استخدمت هذه المؤسسة على مدى عقود في تنفيذ المهمات القذرة لصالح الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة، وهو بلاء لم تبرأ منه في العهد الجديد، بل وجدناها في بعض المناسبات تنفلت في ممارسة القمع والاستبداد على غرار ما كان يجري في عهد صدام مثلاً، منتهكة على نحو صارخ أحكام الدستور وحقوق الانسان التي ألزم الدستور الدولة بكفالتها.
مهمة إصلاح المؤسسة الأمنية وإعادة هيكلتها، كما مهمة إصلاح المؤسسة العسكرية وإعادة هيكلتها، لا تقع على عاتق الحكومة ورئيسها وحدهما، فمجلس النواب شريك أساس في هذه العملية، بل هو يتحمل مسؤولية أكبر. هو السلطة التشريعية التي يتعيّن عليها سنّ القوانين التي تحول دون فساد هذه المؤسسة ودون تغوّلها في حق المجتمع، وهو –البرلمان– الجهة الرقابية التي من واجبها أن تُبقي أعينها مفتوحة على مدار الساعة للتيقّن من ان هاتين المؤسستين بالذات، الأمنية والعسكرية، تؤديان واجباتهما بمهنية عالية ووطنية عميقة. ولهذا يتعين ان يتمسك المجلس بحقه الدستوري في تقرير التعيينات الخاصة بالقيادات العسكرية والأمنية وفي إلزام القيادة العامة للقوات المسلحة بالالتزام الصارم بمعايير المهنية والوطنية في هذه التعيينات، في الأقل حتى لا تتكرر المهزلة – المأساة التي تتواصل فصولها منذ 10 حزيران الماضي حتى اليوم.
في السنوات الثماني الماضية انصرفت الغالبية العظمى من أعضاء مجلس النواب الى تأمين مصالحهم وامتيازاتهم الشخصية، والى تهييج المشاعر الطائفية، خدمة لهذه المصالح والامتيازات في المقام الأول. وارتضى المجلس في الدورتين السابقتين تهميش دوره التشريعي والرقابي، وقبِل بأن تتغول السلطة التنفيذية في حقه وحق المجتمع، وهو تغوّل اقترن استخدام القوة الغاشمة فيه بشراء الذمم الشخصية والسياسية.
قضية الإصلاح العميق للمؤسسة الأمنية والمؤسسة العسكرية وسائر مؤسسات الدولة شرط لازم لهزيمة داعش وللعبور الى السلم الأهلي الوطيد.
فـي إصلاح المؤسسة الأمنية
[post-views]
نشر في: 16 نوفمبر, 2014: 09:01 م