عندما فتحت إرينا بوكوفا (مواليد 12 تموز (يوليو) 1952) عينيها على الشيوعية من خلال انتساب أبيها للحزب الشيوعي البلغاري، الذي كان رئيساً لتحرير الصحيفة المركزية للحزب ( (Rabotnichesko Deloولكن خدمتها المصادفة في أن تبقى مع وعلى حدة، في الوقت نفسه، مثل أي مواطن مختلف في الفكر والسلوك يعيش في كنف دولة مركزية، كما كانت عليه بلغاريا حتى سقوط المعسكر الاشتراكي.. امرأة صنعتها التناقضات والتشابهات فصيغت من أنبل ما في الشيوعية من أفكار: الإحساس بالعدالة والانحياز للفقراء والإيمان بالسلام، إلى جانب ما يفترض أن يكون عليه المرء عقلاً مفتوحاً على الاختلاف والجدل والإيمان بالحرية والعمل من أجل عالم بلا حروب ولا عنف ولا تمييز.
بوكوفا (*) التي وصفت (داعش) قبل أيام بأنه تنظيم إرهابي فاق ما اقترفته النازية الألمانية من جرائم بحق الألمان وغير الألمان، كافحت لتتبوأ وظائف المجتمع المدني ببلدها لتصبح أول سيدة من الدول الشرقية تتبوأ أرفع المناصب في منظمة اليونيسكو.
كانت، أولاً، عضواً في البرلمان البلغاري عن الحزب الاشتراكي البلغاري لدورتين. ثم وزيرة ونائب وزير للشؤون الخارجية في كابينة رئيس الوزراء زان فيدينوف، ثم سفيرة بلدها إلى فرنسا، ثم إلى موناكو، والموفد البلغاري الدائم إلى اليونيسكو والممثل الشخصي للرئيس البلغاري في المنظمة العالمية للفارنكفونية (2005 – 2009) وأسست المنتدى الأوروبي منظمة غير ربحية ولا حكومية، وآخر مسؤولياتها رئيسة منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة.
سيدة أنيقة وجميلة رغم شعرها الرمادي الذي أضفى عليها مسحة من سحر وقور من دون أن تفقد جمالها في مثل عمرها الذي بلغ الثانية والستين، لأنها خارج ثنائية الأبيض والأسود.
كتبت إرينا بوكوفا مقالاً ضد العنف والحرب، بادئة: "ثمة ثمانية وعشرون مليون طفل في المدرسة الابتدائية، وأكثر منهم، يعيشون في مناطق الصراع المسلح حيث تنعدم فرص التعليم".
أثناء زيارتها بداية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) إلى أربيل (العراق) خاطبت من التقتهم في مخيّم باهاركا للمشرّدين داخليا، بقولها: "إنّ مجال التعليم يشهد أزمة خفية، وقد أتيت لأساندكم وأدعمكم لدحض الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي تتعرّضون لها".
ووضعت إيرينا بوكوفا حجر الأساس لبناء المدرسة الثانوية التي ستستكملها اليونيسكو بحلول شهر كانون الأوّل (ديسمبر) 2014 لصالح الشبّان والشابات المقيمين في المخيّم، مُسلِّطة الضوء على أهمية معالجة أزمة التعليم وعلى التزام اليونيسكو باتخاذ الاجراءات اللازمة في هذا المجال.
وقالت المديرة العامة: "إنّ التعليم يشكل حقّا إنسانياً أساسياً لكم وللعراق برمّته، وهو أيضاً ضرورة ملحة لتحقيق التنمية وإرساء الأمن. ولا يمكننا أن ندعكم وندع جيلاً كاملاً من الشباب العراقيين محرومين من حقهم في التعليم، لأنّ ذلك سوف يلقي بظلاله على مستقبل البلد بأسره".
وفي رسالتها التي وجهتها بمناسبة اليوم العالمي للتسامح الذي صادف يوم 14 تشرين الثاني الماضي: "لا يقتصر التسامح على الكلام بل هو سلوك يكتسب على مقاعد الدراسة ويتجسد في الانفتاح على تنوع الثقافات والمعتقدات وفي احترام حرية التعبير والرأي المتجذرين في التمسك بحقوق الإنسان".
إن للبطولة وجوهاً عدة ومنها الكفاح الشاق في مناطق العنف والانقسام من أجل تحقيق السلام والتسامح وحقوق الأطفال بالتعليم وجعل العالم مكاناً صالحاً للتفاهم وتحويله من ترسانة حربية إلى فضاء للإبداع والتفكير الحر والتعايش السلمي بين جميع سكانه بأعراقهم وألوانهم وأفكارهم ومجمل ثقافاتهم المختلفة.
العراقيون يحتاجونك، حقاً، يا إرينا، فهم بأمس الحاجة إلى جهودك، شخصياً، في مساعدتهم على الخروج من أزماتهم المعقدة في هذه المرحلة السوداء.
(*) أرسلت نسخة من العمود إلى السيدة بوكوفا في مكتبها باليونيسكو