مرقت سيارة حديثة مخصصة لأفراد الشرطة العراقية فانسحب بعض سائقي المركبات الى جانبي الشارع ليتسع المجال لمرورها ...مازالت عقدة الخوف من السلطة تحركهم ..لابأس ..شرطتنا العراقية تستحق ذلك فقد نذر أفرادها انفسهم لاقتحام أماكن الخطر ومغازلة احتمالات الموت ..مرورهم بيننا يخلق نوعا من الأمان افتقدناه طويلا بعد سقوط النظام وسيادة الفوضى على كل أشكال القانون ومفرداته ...
في شارع آخر ، أدى ازدحام مروري الى اصطدام شاحنة عسكرية بسيارة اجرة يقودها شاب لا يعرف سائق الشاحنة طبعا انه مازال مدينا لصاحبها بمبلغ كبير وانه يذرع الشوارع بها طوال النهار عسى ان يتمكن من تسديد ما تبقى من ثمنها...حين نزل الشاب من سيارته مصعوقا بما حدث لها لم يكلف سائق الشاحنة العسكرية نفسه بالنزول للاعتذار على الاقل رغم ان ما حدث يستحق تعويضا كما هو الحال في جميع الحوادث المرورية لكن للسلطة رأي آخر فالاصطدام بمركبة مواطن أمر لا يستحق التوقف من أجله فكيف بالاعتذار او التعويض ، وهكذا اكمل سائق الشاحنة العسكرية طريقه ببساطة دون ان يأبه لصراخ الشاب واعتراضه على سلوكه !!
وفي شارع ثالث ، زاحم رتل عائد لأحدى الميليشيات مركبة تقودها امرأة وكاد يتسبب بحادث خطير لكنها كانت (شاطرة) في السياقة كما يبدو فتمكنت من السيطرة على مركبتها ثم ترجلت منها لتعترض على سلوكهم معها ..كان ردهم على ذلك توبيخ المرأة ثم رفع السلاح بوجهها لتكف عن الاعتراض وترضخ لكلمة السلطة التي تعلو على كلمة حق المواطن وقيمته كانسان يستحق الاحترام – ربما استفزهم منظرها لأنها لم تكن ترتدي الحجاب وكانوا يحملون لواء الدين او لمجرد كونها امرأة لايحق لها التطاول على أسيادها الرجال والاعتراض على سلوكياتهم فهي مخطئة بخروجها الى الشارع أصلا وقيادة السيارة لأنها عورة وكان الأجدر بها ان تلازم المنزل وتتفرغ للزواج والإنجاب فقط وهكذا انسحبت المرأة أمام سلطة السلاح وعادت الى سيارتها وهي تتميز غيضا ..
اذا كانت السلطة في الشارع العراقي تعني التخويف والعنف والقوة فإن المواطن العراقي سيظل خائفا من السلطة مهما تعاقبت عليه الحكومات ولن يشعر يوما بآدميته او احترامه أمامها فكيف اذا أراد استعادة حقه منها...الحق ضائع بمواجهة قوة السلطة التي لا تمثلها الحكومة وأجهزتها الأمنية فقط بل ما تناسل في الشوارع من ميليشيات عديدة متعددة المناشئ والأهداف والأساليب ولكن يجمعها امر واحد هو قدرتها على إثارة الفزع وعدم الاطمئنان في قلوب المواطنين ...
لن يطمئن المواطن العراقي اذن بوجود السلطة يوما رغم انه يحلم دائما بسلطة تحقق له الأمان وتزرع في قلبه الاطمئنان.. سيظل يشعر دائما بانه متهم وهو بريء او يشعر بالإذلال لاضطراره للرضوخ لسلطة لا تحمل صفة حكومية ولا تتحدث باسم القانون ...الحل اذن في نزول القانون الحقيقي الى الشارع ومن ينفذه من جهات أمنية وإزالة كل من منح نفسه حق التسلط على المواطنين تحت ألوية ميليشيات خلقتها الأحزاب والكتل المتعددة فعلى السلطة الحقيقية ان تعيد لممثليها هيبتهم ودورهم الحقيقي في حماية امن المواطن وان تعيد الى المواطن شيئا من الأمان والاطمئنان الذي يفتقده في الشارع العراقي ...
في الشارع العراقي
[post-views]
نشر في: 17 نوفمبر, 2014: 09:01 م