لا ادري الى اي حد كنت دقيقا حين سألتني مقدمة برامج ذكية في لقاء تلفزيوني قبل ليلتين، أشياء حول زيارة الجنرال ديمبسي لبغداد، والإجراءات الاخيرة لحكومتنا، فأجبتها بلا سابق استعداد: ان النظام الذي هزمته داعش لم يعد موجودا. وان النظام الذي يحقق تقدما في مواجهة داعش حالياً هو نظام جديد يتأسس ببطء، في ضوء اصلاحات محور وطني التزم منذ صيف ٢٠١٢ بمعارضة سياسات المالكي وحذر من تبعاتها، ثم نجح في استبدال نهجه، وهو يجري اليوم تغييرات مهمة.
والان فقط أتذكر انني كتبت في الصيف وبعد انهيارنا الحزيراني، ان مفاوضات تشكيل الحكومة ليست مجرد تصميم لصفقة وزارات، بل هي ترتقي الى عملية"تأسيس جديد"للنظام السياسي، بعد ان انحرف نظام زلماي ونغروبونتي والمالكي، برعونة نادرة منذ ٢٠١١.
اليوم ايضا يحضر في ذهني ان بيجي وآمرلي ايضا، ومأساة سبايكر وهيت وغيرها، ليست مجرد معارك او انتصارات وهزائم، بل هي نموذج تحليل وفهم، ونواة لخطط مستحدثة، هي مولود شرعي للنهج الجديد الذي نريده.
واذا كان النظام الذي ينتصر على داعش الآن، هو نظام جديد، فان الجيش الذي هزمته داعش، هو نفس الجيش الذي ينتصر اليوم، مع فرق، هو ان المؤسسة العسكرية وبفضل انفراج سياسي، أخذت تعثر على إجابات مناسبة للأسئلة المعتادة التي تتداولها كل جيوش العالم قبل حشو بنادقها. ان مشكلة داعش تصبح أوضح شيئا فشيئا، ومنذ سنوات لم يتح لجيشنا، كل هذا الدعم النفسي والمادي المستند الى وضوح سياسي افضل، وتخفيف للاحتقان الشعبي.
كنت كتبت بعد يوم من انهيار الموصل"ليست قصة خيانة او هروب من الزحف تلك التي حصلت في الموصل. لا تنقص العراقيين الشجاعة البدنية والنفسية لحمل السلاح بوجه متشددين.. الجنود الذين تركوا سلاحهم، لم يكونوا يمتلكون إجابة واضحة على كثير من الأسئلة التي تسبح في فراغ قاتل. لم تكن الأغاني الهابطة العسكرية التي تبثها فضائية الحكومة، تحمل ردودا شافية. كما لم تكن قادرة على فض الاشتباك بين الطوائف المتناحرة، والطبقة السياسية الغارقة بالفساد، وفريق المالكي الذي رفض رعاية التسويات.. الجيش مؤسسة تحمي الدولة، والدولة منقسمة على نفسها، ولا يصبر قادتها على صوغ تسوية. الدولة مشروخة وتطالب الجيش بأن يبقى متماسكاً".
انه اذن نفس الجيش المهزوم، لكنه يعثر على بعض الاجابات ويفرح ببعض التماسك، فينتصر ويحصل على العون.
واشنطن ايضا تحاول إصلاح طريقتها. والبنتاغون لا يدير مجرد عملية عسكرية في العراق، بل يشارك في رعاية اتفاقات سياسية كبيرة كنا لا نتصور أنها ممكنة حتى قبل بضعة شهور. ولذلك يقول جنرالات اوباما ان العملية تستغرق سنوات!
ايضا، فان بيجي ليست معركة. بل نموذج تحليل واختبار لكيفية ان تكون هناك إرادة ذات تدبير، تجمع مسلحين من مشارب شتى داخل هدف واحد هو طرد داعش، وإعادة الهيبة للدولة. وهو نموذج تحليل لأنه حالة نادرة من اشتراك البيشمركة مرة، ومقاتلي العشائر السُنية مرة، مع الحشد الشعبي وتحت قيادة الجيش الاتحادي. انه نفس المناخ الذي دفع القبائل في الأنبار للحوار مع مقتدى الصدر حين عرض عليهم تقاسم المال والرجال للدفاع عنهم.
لا ادري الى اي حد امتنع عن الإغراق في التفاؤل، فهناك مهام عسيرة بالكاد تبدأ. لكن وبغض النظر عن هذا، فينبغي ان لا ننسى ان هذا التقدم الذي لايزال في بدايته، لا يدعونا للاسترخاء، بل يضاعف مسؤولية التحالف الوطني وحلفائه في ائتلاف الحكومة، من هيت حتى زاخو. كما ان التقدم البطيء والجنيني، يعني فقط ان هناك فرصة كبيرة يمكن ان تضيع اذا لم نبذل الجهد الكافي. واذا ضاعت فلن تكون هناك فرصة يسيرة تماثلها.
داعش هزمت نظاما لم يعد له وجود؟
[post-views]
نشر في: 17 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
khalid
ألا يعتقد الكاتب الكريم أن ما يعيشه العراقيون هو ذات النظام الذي هزمه الارهابيون وأن التغيير الذي جرى لا يعدو أن يكون شكلياَ وان ملف الفساد وغيره من تركة المالكي الثقيلة ماتزال جاثمة على صدور العراقيين, بل ان المالكي نفسه مازال متحدياَ يصول ويجول بقوة الا